2014/04/29

الحاج تقي الدين

- مصاري ما في .. واللي بيطلع في إيدك حطه في (..) ..

صرخ الحاج تقي الدين في وجه عادل (المراقب)، عندما طالبه بأجور عمل إضافي عن الساعات الإضافية التي اشتغلها طيلة ثلاث شهور كاملة بناء على تكليف من جمعة (شقيق الحاج تقي الدين وشريكه في شركة المقاولات)، وبثمن بنزين سيارته الخاصة التي طلب منه استخدامها في تنقلاته بين الورش، وعندما سأله: طيب شو بالنسبة لحق البنزين أستاذ جمعة؟ قال له جمعة: ول يا زلمة؟ قالولك عنا بنوكل حق حدا؟ الله ما بيننا وبينك .. بناء على هذا الكلام كان عادل يستخدم سيارته الخاصة الفوكس الحمراء في ذهابه وإيابه .. وكثيراً ما كانوا يقولون له: عادل الله لا يهينك .. خذ شوالين هالشومينتو للورشة بطريقك ..

احمر وجه عادل ..

- البلد فيها قانون يا حاج

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كاس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إلى عادل قائلاً:

-اسمع ولك .. أعلى ما في خيلك اركبه ..

انتفض عادل عن الكرسي .. تقدم من الحاج تقي الدين خطوتين .. وقبل أن يخطو الخطوة الثالثة انقض عليه الشيخ عز الدين، الشقيق الأصغر للحاج تقي الدين، وفواز، الإبن الأكبر للحاج .. كان الشيخ عز الدين لا يفيق من الخمرة إلا ليذهب إلى أقرب خمارة ليشتري قنينة أخرى .. وغالباً ما كانت (نُصّية العرق) تحت مقعده في القلاب الذي يعمل سائقاً عليه .. أما فواز فكان والده الحاج تقي الدين يستطيع بعلاقاته مع البيك (..) أن يخرجه من النظارة في كل مرة يدخل إليها ..

دقائق قليلة، وكان عادل مرمياً على الأرض، بملابس ممزقة، ووجه مغطى بالدماء ..

-وهسه إقلب وجهك أحسن ما تروح ع بيتك ع نقالة

قال له فواز ..

نهض عادل عن الأرض .. اتجه نحو سيارته وهو يصيح:

- منك لله يا ظالم .. منكو لله .. انشالله تلاقوها بعيالكو واهاليكو

وتعالت القهقهات ..

* * * * * * *

كان الحاج تقي الدين يصوم كل اثنين وخميس .. لم يكن يصلي .. ولكنه كان مواظباً بإصرار عجيب على صيام كل إثنين وخميس ..

في هذين اليومين كانوا يتجنبونه تماماً .. وكل من كانت له عنده حاجة كان يؤجلها (ما استطاع) إلى أي يوم آخر غير هذين اليومين .. ففي هذين اليومين يكون كالجمر الملتهب، الذي ينتظر أية نسمة هواء ليتقد ويشتعل ..

ولكن الحاج تقي الدين كان (كيّيف) .. فكان كثيراً ما يحلو له أن يخرج في الأيام التي تكون فيها الدنيا ربيعاً والجو بديعاً في رحلات صيد يرافقه فيها، بالإضافة إلى عبده المصري (مرافقه الدائم)، كل (الحَبَطْرَشْ) الذين كانوا يعرفون كيف يجعلونه يفطّرهم ويغدّيهم خلال تلك الرحلات .. وعندما كان أحدهم يرى طير فرَي أو شنّار أو غيرهما من الطيور كان ينبه الحاج تقي الدين، الذي كان يسارع إلى توجيه فوهة بندقية الصيد المرافقة له دائماً .. وعندما يسقط الطائر المهيض أرضاً كان الحبطرش يتسابقون في الركض باتجاه المنطقة التي سقط فيها .. ليتمكن من إحضاره إلى الحاج متفاخراً .. كان الحاج ينبسط كثيراً عندما يتمكن من اصطياد طائر .. وكان مرافقوه من الحبطرش ينبسطون أكثر .. لأن انبساط الحاج يعني بالنسبة إليهم الكثير من النفحات والهبات والأكل المجاني ..

ولم يكن عادل واحداً من هؤلاء.

* * * * * * *

قبل أن يستفرد الحاج تقي الدين بالشركة مع شقيقه جمعة كان المهندس مجدي شريكهم الثالث .. كان المهندس مجدي ابن عمهم (اللّزَم) .. تخرج من جامعة القاهرة مهندساً معمارياً، واشتغل لفترة موظفاً في إحدى الوزارات، ثم ارتأى أن يفتح مكتباً هندسياً للتصميم والإشراف المعماري .. فاستقال من الوظيفة وفتح المكتب .. ولكنه لم يكن ذا علاقات واسعة كالحاج تقي الدين .. فلم يلق مكتبه الرواج الذي كان يأمله. وأقنعه الحاج بأن يعمل معه شريكاً في مجال المقاولات، فوافق، وكانت الشركة.

بعد سنتين أو ثلاثة من العمل معاً .. وصلت الأمور بينهما إلى نقطة اللاعودة .. فلم يكن المهندس مجدي ليتقبل (بلا نهاية) رؤية عائدات الشركة تذهب إسمنتاً وحديداً وحجراً بطريقة لم يفهمها لتستعمل في ورشة العمارة التي بدأ الحاج تقي الدين ببنائها لتكون منزلاً له ولشقيقه جمعة .. أو فهمها، ولم يتمكن من منعها أو الاحتجاج عليها .. ولم يستطع أن يفهم كيف يعمل عمال الشركة في ورشة ابن عمه ثم تسجل الساعات التي عملوها في ورشة ابن عمه على (كروتهم) لتحاسبهم الشركة عليها .. فطالب المهندس مجدي ابن عمه بأن يجلسوا ل (يتفاهموا).

في ذلك اليوم قال الحاج تقي الدين لشقيقه الشيخ عز الدين: اليوم جاي مجدي .. شوف شغلك.

دق الشيخ عز الدين على صدره .. ومد يده إلى الحاج تقي الدين ..

أعطاه الحاج عشرين ديناراً .. وسرعان ما استحالت العشرون ديناراً إلى نصية عرق .. وكيلو مكسرات .. وأشياء أخرى ..

عندما وصل المهندس مجدي إلى الشركة مساء ذلك اليوم .. كان كل شيء مرتباً .. فما أن علا صوت الحاج تقي الدين حتى انفعل مجدي ..

- هاي سرقة عيني عينك يا تقي الدين

- اخرس .. انا اللي في رجلي اشرف منك يا كلب

- اذن خلينا نفضّ الشركة .. وزي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف

- مالكيش عندي إشي

-طيب تانشوف القانون شو بده يحكي يا تقي الدين

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كأس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إلى ابن عمه المهندس مجدي قائلاً:

-اسمع ولك .. أعلى ما في خيلك اركبه ..

انتفض مجدي عن الكرسي .. وتوجه نحو سيارته قائلاً: طيب يا تقي الدين .. بورّيك

ركب سيارته .. وقبل أن يتمكن من تشغيل محركها والانطلاق بها هجم الشيخ عز الدين باتجاهه محمر العينين بتأثير الخمرة التي اشتراها بالنقود التي أعطاها له أخوه في الصباح ..

حاول مجدي أن يشغل السيارة ويهرب .. ولكنها، لسبب ما، لم تستجب .. فبدأ بإغلاق نافذة السيارة .. وقبل أن يكمل إغلاقها كانت قبضة الشيخ عز الدين قد دمرت زجاجها الذي تناثرت شظاياه على وجه ابن عمه ..

وأخيراً استجابت السيارة وانطلقت .. ووجه مجدي مغطى بالدماء ..

* * * * * * *

انتهى بناء العمارة وتشطيبها .. أقام الحاج تقي الدين وليمة ضخمة دعا إليها الكثيرين .. معظمهم أتى بسيارات فاخرة يقودونها بأنفسهم .. وبعضهم أتى بسيارات تحمل لوحات حمراء أو زرقاء .. يقود كلاً منها سائق متأنق: يتوقف أمام مدخل العمارة .. ينزل من السيارة التي يقودها .. يلتف حولها ليفتح باب السيارة الخلفي الأيمن حيث يجلس رجل أكثر تأنقاً .. ينحني له وهو يخرج من السيارة .. ويقف متأدباً في انتظاره ريثما يعود ..

كان الحبطرش نظيفين على غير العادة .. ومتأدبين على غير العادة .. وكان الحاج تقي الدين على مدخل العمارة في استقبال مدعويه وتوديعهم .. متأنقاً في بدلة سوداء .. وكانت عباءته موشاة بخيوط من الذهب تلمع تحت أشعة الشمس .. وكانت مسبحته تدور في يده وهو يتمتم بوقار.

بعد انتهاء الوليمة، جلسوا على مقاعد وثيرة أعدها الحبطرش على سطح العمارة مراعين أن يكون أكثرها فخامة متدارية في الظل بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة ..

قال أحدهم: الف مبروك يا حاج

قال الحاج: الله يبارك فيك يا بيك

مال أكثرهم تأنقاً عليه وقال بصوت منخفض: كيف الشغل معاك؟ انشالله أمورك كلها تمام؟

-نحمد الله يا باشا .. خير ألله وخيرك

- انشالله جماعتنا مش مقصرين معاك في إشي؟

- لا يا باشا .. الأمور تمام

- أي إشي بدك اياه بس تلفون زغير يا حاج .. وانت عارف معزتك عندنا

-خيرك سابق يا باشا

بعد انصراف المدعوين .. اجتمع الحبطرش على بقايا المناسف .. متحللين ومتحررين من أناقتهم وتأدبهم

* * * * * * *

بعد ذلك بسنوات .. التقى عادل والمهندس مجدي لأول مرة .. كان عادل يعمل مراقباً في إحدى شركات المقاولات .. وكان مجدي مهندساً مشرفاً على أحد المشاريع التي تقوم الشركة بتنفيذها ..

ولأن (الكلام بيجرّ الكلام) .. عرف كل منهما أن الآخر له حكاية مع الحاج .. وعندما علم عادل أن مجدي هو إبن عم الحاج قال له ضاحكاً:

يا خوفي تطلع زي إبن عمك!

امتعض مجدي .. سكت قليلاً ثم قال: ما تخاف .. كل حارة وفيها مزبلة

مرت الأيام .. وتوطدت علاقة عادل بمجدي .. وكان الحاج تقي الدين يفرض نفسه بطريقة ما على أحاديثهما ..

في أحد الحوارات قال عادل: الحاج تقي الدين زلمة مش مزبوط .. وربنا ما رح يتركه .. يوماً ما رح ينتقم منه ..

فرد عليه مجدي: يا ابني في ناس كثير زي تقي .. واللي زيي وزيك لازم يعملوا إشي وإلا بيوكلونا وبيوكلو غيرنا زي ما أكلونا

قال عادل: يعني شو بنقدر نعمل يا باشمهندس؟ اتركها لربك

رد عليه مجدي: والنعم بالله يا إبني .. بس ربنا بيقول إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ولا أنا غلطان؟

قال عادل: مش فاهم وما بدي أفهم .. أنا موكلها لربنا

ضحك مجدي وقال: امبلى انت فاهم بس بتستعبط

قال عادل: لو سمحت يا باشمهندس غير الموضوع .. احكيلي وين ناوي تقضي عطلة العيد؟

ضحك مجدي مرة أخرى وقال: والله شكله ما منك فايدة .. بحاكيك في الشرق بترد علي في الغرب

* * * * * * *

- أهلا يا باشا

- (..)

-حاضر يا باشا

- (..)

- ولا يهمك يا باشا

- (..)

- ما يكونلك أي فكر يا باشا .. انت بتعرف مصلحة البلد قديش بتهمني

- (..)

- يا باشا صحيح مجدي ابن عمي .. بس البلد ومصلحة البلد فوق الجميع

- (..)

- حاضر يا باشا

- (..)

- حاضر

- (..)

- على راسي

- (..)

- من عيوني يا باشا

- (..)

- مع السلامة ألله معاك

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كاس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إلى عبده قائلاً:

- حضروا حالكو انت والجماعة ..

- خير يا بيك؟

- خير انشالله .. بدهم اياني أنزل للإنتخابات

* * * * * * *

على طاولة الغداء اجتمع المهندس مجدي وعادل وعدد من الأصدقاء وزملاء العمل ..

وجّه عادل سؤالاً مباغتاً لمجدي:

- باشمهندس .. صحيح اللي سمعناه؟

- وشو سمعتو؟

- قال بيقولو بدك تنزل للإنتخابات؟

- آه صحيح!

- من كل عقلك باشمهندس؟

- اوف؟ طبعاً من كل عقلي

- نصيحة لوجه الله يا باشمهندس .. لا تنزل

- وليش؟

- بصراحة؟ ما راح تنجح

- بعرف

ضحك عادل .. ثم تبعه في الضحك آخرون وآخرون .. حتى مجدي شاركهم الضحك

قال أحد الضاحكين: والله هاي بدها تفسير يا باشمهندس .. ليش بدك تنزل طالما عارف حالك ما راح تنجح؟

قال مجدي: عندي هدف بدي اوصلله من النزول

قال عادل: شو هو دخلك؟

رد مجدي: بكرا بتعرف

قال عادل: عن نفسي انا معطيك صوتي .. بس صراحة ما بضمن باقي الشباب .. شو شباب؟

نظر مجدي بجدية الى وجوههم واحدا واحدا .. كان من الواضح انه ينتظر أجوبتهم على سؤال عادل

قال أحدهم: انا شخصيا راح ابيع صوتي للي بدفع اكثر .. شو قلت باشمهندس؟ بقديش بتشتري صوتي؟

ضحكوا جميعا ..

قال آخر: بصراحة أنا ما راح انتخبك .. بيقولو انك علماني .. عنجد انت علماني يا باشمهندس؟

رد مجدي: دخلك شو مفهومك لكلمة علماني؟

فأجابه: علماني يعني شيوعي ملحد .. ليش الها معنى ثاني؟

رد مجدي: طيب انت شايفني ملحد؟

فأجابه: الصحيح لأ .. بس هيك بيقولو

رد مجدي: مين اللي بيقولو؟

فأجابه: اوهووووووو .. بيقولو خلص .. فظها سيرة .. عمو ما راح تنجح يعني ما راح تنجح .. نقطة

* * * * * * *

اكتفى المهندس مجدي بطباعة ملصقات تحمل صورته، وعبارات مختصرة عن محاربة الفساد والمفسدين، والضرب بيد من حديد على أيديهم، واستعادة ما نهبوه من البلاد والعباد .. ألصق بعضها على بعض الأعمدة، ووزع الباقي على أصحاب بعض المحلات ليضعوها على الواجهات الزجاجية لمحلاتهم .. وبمساعدة عادل وبعض أصدقائه قاموا بتعليق عدد من اليافطات وزعوها هنا وهناك .. وكان مجدي وعادل وأصدقاؤهما متيقنين أن تلك الاستعدادات المتواضعة كانت لمجرد رفع العتب مقارنة بالاستعدادات التي قام بها الحاج تقي الدين وجماعته ..

أما الحاج تقي الدين فكان في غاية الاطمئنان والثقة بالفوز المؤكد .. ولكنه رغم ذلك استجاب لنصائح البعض فأغرق الشوارع بالملصقات واليافطات .. حملت ملصقاته ويافطاته كثيراً من الوعود والعهود ليضمن أصوات المتطلعين للخدمات .. وكثيراً من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ليضمن أصوات المتدينين والمتدينات .. ولم ينس فلسطين في الشعارات ليضمن أصوات المخيمات ..

قال جمعة للحاج: شو بالنسبة لمجدي؟ نرضيه بقرشين بلكي انسحب؟

وقال له الشيخ عز الدين: ترا اذا بدك يا حاج بشطبلك اياه شطب

أما فواز فقال: انتو ليش معطينه أهمية هالقد؟ راسماله قنينة بنزين وعود كبريت بتبخر هو وسيارته

انتهره الحاج قائلاً: إخرس وله ..

سكت فواز مرغماً .. وانزوى كقطة مؤنبة

ولكن الحاج سرعان ما ابتسم في وجهه قائلاً: على كل حال خليكو جاهزين انت والشباب .. ترا انتو ايدي ورجلي .. لما احتاجكو بقلك

انبسط فواز

وتابع الحاج: يا جماعة الفوز مضمون بإذن الله .. عندي تطمينات ما تخافوا

كانت تلك الأيام عيداً بالنسبة للشيخ عز الدين وفواز والحبطرش .. فقد سلمهم الحاج عهدة للصرف منها على شراء الأصوات .. وكانوا يضعون مقابل كل دينار يدفعونه لصاحب الصوت ديناراً آخر في جيوبهم .. وكان الحاج يدرك ذلك .. ويسكت .. فليس اليوم يوم حساب ولا عتاب

* * * * * * *

كان الحاج يستعد لوضع اللقمة الأولى من وجبة غدائه في فمه عندما رن موبايله .. أعطى الموبايل لعبده المصري ..

- مين ما كان قول له الحاج نايم ..

أخذ عبده الموبايل ولكنه سرعان ما أعاده إلى الحاج ..

- ده فواز بيه يا حاج .. وبيقول عاوزك انت بالزات ضروري

- أيوه؟ ..

- (..)

- شو بتقول؟ ..

- (..)

- إيمتى؟ ..

- (..)

- طيب انت وين هسه؟ ..

- (..)

- طب إعطيني اياه احكي معه ..

أنهى الحاج المكالمة بسرعة .. وأعطى الموبايل لعبده قائلاً:

- اطلبلي الباشا فوراً

- أيوه يا باشا ..

- (..)

- متأسفين على ازعاج جنابك بس ابني فواز اتصل بيي قبل شوي من مركز أمن (..) ..

- (..)

- واحد من جماعتنا موقوف في المركز ..

- (..)

- قال يا سيدي متهمينه انه بيشتري أصوات انتخابية ..

- (..)

- لأ يا باشا بقلك واحد من جماعتنا مش ابني ..

- (..)

- لا والله يا باشا ..

- (..)

- حاضر يا باشا ..

- (..)

- اللي بتؤمر بيه على راسي ..

- (..)

- من عيوني يا باشا ..

- (..)

- خيرك سابق يا باشا ..

- (..)

- مع السلامة الله معك يا باشا ..

ظل الحاج متوتراً لمدة ربع ساعة .. رن الموبايل فسارع الى اختطافه من يد عبده ..

- ايوه يا باشا؟ ..

- (..)

- هيك يعني؟ ..

- (..)

- طب منيح ربنا ستر ..

- (..)

- حاضر يا باشا ..

- (..)

- من عيوني يا باشا ..

- (..)

- اللي بتؤمر بيه يا باشا ..

- (..)

- ولوووووو؟ خيرك سابق يا باشا ..

تنفس الحاج الصعداء .. ثم قال لعبده:

- ثاني مرة بتسمع صح .. الزلمة الموقوف مش من جماعتنا .. هاظ مدسوس علينا من مجدي ابن الكلب

- حاضر يا حاج .. اصل انا كنت جوعان ولما بجوع ما بسمعشي كويس ..

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كاس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إليه قائلاً:

- يحرق حريشك شو بحبك.

- وانا كمان .. كلنا بنحبك أوي يا حاج

* * * * * * *

أبلى فواز والشيخ عز الدين والحبطرش بلاء حسناً، وعملوا بهمة ونشاط في معركة الحاج تقي الدين الانتخابية .. وقبل أن يأتي اليوم الأخير السابق للانتخابات، كانت جميع يافطات مجدي ممزقة، تتدلى أشلاؤها حزينة على الأعمدة التي علقت عليها .. وقد ساعدتهم آليات الشركة من بكبات وقلابات في الوصول إلى اليافطات التي كانت معلقة على ارتفاعات كبيرة ..أما ملصقاته الانتخابية، فإما أزيلت، أو محيت معالمها ولم يعد ما كتب فيها مقروءً، فقد تفننوا في جعل ما لم يستطيعوا إزالته منها تماماً مثيرة للضحك .. فأحدثوا ثقوبا مكان عينيه أو أنفه أو فمه ..

صحيح أن الحاج لم يطلب منهم القيام بأي من ذلك .. ولكنه منذ البداية علم وسكت .. فاعتبر سكوته أمراً بالاستمرار فاستمروا ..

كان عادل يرى ذلك .. فيحمر وجهه .. وتنتفخ أوداجه .. فيسرع إلى مجدي غاضباً ثائراً ..

- باشمهندس انت شايف وساكت؟

- رووووق يا عادل رووووق .. ما في اشي يستاهل كل هالعصبية تبعتك ..

- يا باشمهندس بس هاظ تعبي وتعب الشباب

- معليش .. اهدا

- طب ع الأقل إشكي عليهم؟

- لمين؟

- للشرطة يا أخي .. البلد فيها شرطة وحكومة وقانون ..

ضحك مجدي .. ففهم عادل كل شيء .. وسكت.

* * * * * * *

دق فواز والشيخ عز الدين باب سكن الشيخ مطيع إمام المسجد الكبير .. خرج إليهم الشيخ حاسر الرأس حافي القدمين بدشداشته البيضاء .. وما أن ميز وجوههم حتى اكفهر وجهه وخرج صوته مرتعشاً ..

قال له فواز: الحاج بده اياك يا شيخ

- سلم عليه وقول له بكره انشالله بمر عليه بعد صلاة الظهر

قال الشيخ عز الدين ورائحة الخمرة تفوح مع كل كلمة تخرج من فمه: بس الحاج بده اياك هسه

- بس يا إبني هسه الوقت متأخر ولازم أنام عشان أصحا ع صلاة الفجر

قال فواز: شيخ الحاج بده اياك هسه .. آه صحيح نسيت .. بعثلك معي هظول

ومد يده بمغلف .. تناوله الشيخ مطيع .. تحسسه دون أن يفتحه فتهلل وجهه ..

- ثواني وبكون جاهز .. معليش لو العيلة مش نايمين كنت قمت بواجبكم

استقبله الحاج بحفاوة ..

- وينك يا شيخ ما حدا بيشوفك؟

- بين الأيادي يا حاج

- بعدك بتشرب الشاي بدون سكر؟

- شو نسوّي يا حاج؟ الله يلعن السكري

صاح الحاج: شاي بدون سكر لشيخنا

ثم عدل جلسته وخاطب الشيخ: شيخ مطيع انت زلمة بتخاف ألله

- اللهم لك الحمد

- طيب بيرضيك واحد شيوعي وملحد يصير نائب عنك في البرلمان؟

- أعوذ بالله!

- طيب شيخنا انت مش عارف انه مجدي نازل ع الانتخابات؟

- عرفت والله .. بس شو بقدر أسوّي؟

- انت اللي بتقدر يا شيخ ..

ثم التفت الى فواز قائلاً: وصّلت الغرض للشيخ؟

قال فواز: طبعا يا حاج .. مش هيك يا شيخ؟

- آه وصل يا حاج

- منيح ..

ثم أردف موجهاً كلامه للشيخ مطيع: صحيح يا شيخ انا ما باجي كثير ع المسجد .. بس انت عارف غيرتي على دين الله .. مش هيك؟

- معلوم يا حاج .. الله يعمر بيتك ويكثر خيرك يا حاج .. وانشالله ربنا بيقدرني على خدمة الإسلام والمسلمين ومحاربة الكفرة والعلمانيين

- آمين آمين آمين .. يالله يابا يا فواز استعجل الشاي للشيخ ووصله انت وعمك الشيخ عز الدين لبيته عشان يلحق ينام ويقوم لصلاة الفجر ..

* * * * * * *

لم يتوان الشيخ مطيع عن أداء (الواجب) الذي تمليه عليه (غيرته على دين الله) .. فبعد صلاة الفجر مباشرة وقف أمام المصلين قائلاً: ما رح أطول عليكم يا إخوان .. بس في كلمتين زغار من واجبي احكيلكم إياهم الله يكرمكم، زي ما بتعرفوا اليوم في انتخابات .. ومن واجب كل واحد فيكم عنده تقوى الله - وكلكم عندكم تقوى الله بدليل مواظبتكم على صلاة الفجر (ربنا يكرمكم) - إنه يتصدى بما يستطيع للكفرة والملحدين اينما كانوا فلا يعطيهم صوته

قال أحد المصلين: بارك الله فيك يا شيخ .. طبعاً هاظ واجب كل مسلم

تابع الشيخ مطيع: الله يبارك فيك أخي الكريم .. الموضوع باختصار إنه في بعض الكفرة مترشحين للانتخابات .. مين فيكم بقبل يكون ممثله في البرلمان واحد منهم؟

تعالت الأصوات: أعوذ بالله .. أعوذ بالله .. أعوذ بالله .. طبعاً أكيد ما حدا بقبل

هاظ أملنا فيكو يا إخوان .. بارك الله فيكم ..

ارتفع صوت من الصف الخلفي: بس الإخوان مقاطعين يا شيخ .. لمين بدنا نصوت؟

احتد الشيخ: اللي بده يقاطع هاي مشكلته وذنبه ع جنبه .. بعدين مين قال لك انه الاسلام محصور بالإخوان؟

ارتفعت همهمات من هنا وهناك ..

وقف أحد المصلين .. وقال: وحد ألله يا شيخ .. احنا ما قلنا الاسلام محصور فينا وما قلنا للناس قاطعوا .. اللي بده ينتخب هو حر .. يستصلح ويعطي صوته للأصلح

وقف مصلّ آخر من الجانب الآخر للمسجد موجها كلامه للأول: الشيخ مش غلطان .. والاسلام مش محصور فيكم .. لكن يا جماعة الانتخابات حرام .. ومن يشارك فيها ترشحاً او ترشيحاً آثم .. لأن البرلمانات من الديمقراطية .. والديمقراطية كفر .. ومن واجب كل مسلم أن يسعى لإسقاط أنظمة الكفر وإقامة دولة الخلافة على أنقاضها .. وأنتو طول عمركم بتشاركوا في البرلمانات والوزارات وما قاطعتوها إلا لأن الهوا ما إجا ع الهوى!

احتد الأول: لو سمحت احترم نفسك ..

انقسم المصلون .. قسم مع الأول .. وقسم مع الثاني .. فسارع الشيخ مطيع إلى إخراجهم من المسجد: يا إخوان الأوقاف بتمنع هيك حوارات داخل المساجد .. قوموا إلى بيوتكم يرحمكم الله

* * * * * * *

عقد البرلمان المنتخب جلسته الأولى، حضرها كل الأعضاء المنتخبون، برئاسة أكبرهم سناً، وكان البند الوحيد على جدول أعمال الجلسة: انتخاب رئيس للمجلس ..

يا إخوان .. سنبدأ بقراءة الأسماء لإثبات الحضور .. وبعدها سننتقل إلى انتخاب رئيس للمجلس ..

هدوء لو سمحتوا ..

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحاج تقي الدين الفلاني

الحاج تقي الدين العلاني

الحاج تقي الدين الفلنتاني

الحاج تقي الدين العلنتاني

الحاج تقي الدين ال ..

الحاج تقي الدين ا ..

الحاج تقي الدين ..

الحاج تقي الدي ..

الحاج تقي الد ..

الحاج تقي ال ..

الحاج تقي ا ..

الحاج تقي ..

الحاج تقي ..

الحاج تق ..

الحاج ت ..

الحاج ..

..

بعد انتهاء الجلسة .. ذهب أعضاء المجلس المنتخب إلى بيوتهم ..

توالت أسراب المهنئين على بيت الحاج لتهنئته برئاسة المجلس ..

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كاس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إلى مهنئيه قائلاً:

- شكرا يا إخوان .. ربنا يقدرني على خدمتكم وخدمة هالوطن

* * * * * * *

بعد مائة سنة من ذلك التاريخ .. وتحديدا في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) سنة ألفين ومائة وثلاثة عشر .. عقد البرلمان المنتخب جلسته الأولى، حضرها كل الأعضاء المنتخبون، برئاسة أكبرهم سناً، وكان البند الوحيد على جدول أعمال الجلسة: انتخاب رئيس للمجلس ..

يا إخوان .. سنبدأ بقراءة الأسماء لإثبات الحضور .. وبعدها سننتقل إلى انتخاب رئيس للمجلس ..

هدوء لو سمحتوا ..

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحاج تقي الدين تقي الدين الفلاني

الحاج تقي الدين تقي الدين العلاني

الحاج تقي الدين تقي الدين الفلنتاني

الحاج تقي الدين تقي الدين العلنتاني

الحاج تقي الدين تقي الدين ال ..

الحاج تقي الدين تقي الدين ا ..

الحاج تقي الدين تقي الدين ..

الحاج تقي الدين تقي الدي ..

الحاج تقي الدين تقي الد ..

الحاج تقي الدين تقي ال ..

الحاج تقي الدين تقي ا ..

الحاج تقي الدين تقي ..

الحاج تقي الدين تقي ..

الحاج تقي الدين تق ..

الحاج تقي الدين ت ..

الحاج تقي الدين ..

..

بعد انتهاء الجلسة .. ذهب أعضاء المجلس المنتخب إلى بيوتهم ..

توالت أسراب المهنئين على بيت الحاج لتهنئته برئاسة المجلس ..

ضحك الحاج تقي الدين .. ضحك كثيراً .. انتابته نوبة سعال، فسارع عبده المصري، المرافق الدائم للحاج تقي الدين، إلى إحضار كاس من الماء للحاج تقي الدين الذي شربه، وعندما تراجعت نوبة السعال التفت إلى مهنئيه قائلاً:

- شكرا يا إخوان .. ربنا يقدرني على خدمتكم وخدمة هالوطن

2014/04/25

نهاية الحكاية

أتذكرون قصة النملة النشيطة والصرصور الكسول؟

لا بد أنكم تذكرونها، لأنهم (دحشوها) في رؤوسنا الصغيرة (= عندما كنا صغاراً) ..

ما لم يقولوه لنا، هو أنهم حرّفوا خاتمتها.

فالصرصور الكسول لم يستخلص العبرة من (محاضرة) النملة (المركزة) و (خطبتها العصماء)، ولم (يفتح صفحة جديدة)، ولم يقم بـ (حركة تصحيحية) تقوّم منظومته القيمية ومنهجه في الحياة.

ما لم يذكروه لنا، هو أنه (بكل بساطة) سطا على كل ما ادّخرته النملة .. واستمر في غنائه (الشجي)، وتركها تندب حظها .. وتمد يدها، طيلة الشتاء، للصدقات .. أمام أبواب المساجد ودور اللهو والخمّارات.

.. تلك كانت نهاية الحكاية.

2014/04/13

لِمَ تريدُ قتلي؟

وبينا هو مندفعٌ نحوي شاهراً سيفَهُ، تعثرَ فرسُهُ، فسقطَ، وسقطَ سيفُه بقربي. التقطتُ سيفَهُ، وناولتُهُ إياهُ قائلاً: دونَكَ، يا هذا، سيفَكَ. ولكنْ أنبئْني، بحقِّ السماءِ، لِمَ تريدُ قتلي؟