2015/04/25

الديناصورة

كانت مشكلة الديناصورة أنها تحب الديناصور .. ولذلك، كانت كثيراً ما تتغاضى عن عيوبه الصغيرة .. وحتى عندما كان يجرحها بنظرة أو بكلمة أو بدفشة، كانت تسرع بالذهاب إلى الحمام ثم تخرج بعد دقائق قد تطول وقد تقصر، مبتسمة. ولكنها لم تكن دائماً تستطيع أن تغسل وجهها تماماً من أحافير الدموع. أما هو، فكان حلمه الدائم، بيت ريفي كبير على قمة جبل، تملؤه الحريم.

* * * * * * *

في لقائهما الأول، كانت ضحكة الديناصورة كضحكات الأطفال، لا تنتمي إلا لزمنها، ولا تكبحها أي من أحزان الماضي أو تخوفات المستقبل. أما هو، فكانت ضحكته ضحكة صياد وقعت في شباكه سمكة كبيرة.

* * * * * * *

سحرتها ملامح وجهه، كان فيها شيء يذكرها بمطرب وسيم، في صوته شجى، وفي عينيه حزن، وفي ابتسامته عذوبة، وكلما ارتفع صوته في ظلام الليل بالغناء ارتفعت معه تأوهات بنات جيلها من الديناصورات بالآهات والتأوهات.

* * * * * * *

كم عارضت أمها زواجها منه، وكم عرضت عليها من هم (في نظرها) زينة الديناصورات ..

- إبن خالك، ماله؟

- يتآكل فقراً، وسأجلس معه للتسول على أبواب المساجد.

- فابن خالتك؟

- ثوري عنيد، لا يتراجع ولا يهادن، لا يخرج من السجن إلا ليعود إليه. سأقضي نصف عمري في انتظاره، ونصفه الآخر في الخوف عليه

- فابن الجيران؟

- لا يهش ولا ينش. أتقبلين لي أن أصبح جارية لأمه وأبيه؟

* * * * * * *

الهمهمات التي كانت تسمعها تحولت بمرور الوقت إلى اتهامات .. لم تصدقها في البداية .. ولكنها بمرور الوقت أيضاً، تحولت من التكذيب إلى الشك إلى ما يشبه اليقين .. فكان لا بد من المواجهة ..

- هل صحيح ما تقوله الدناصير عنك؟

- وماذا تقول؟

- تقول .. إنك من أوعز باعتقال ابن خالتي!

- نعم صحيح

- لماذا؟

- اشكري الله أنني لم أقتله

- ويقولون إنك اعتقلت ابن خالي

- نعم

- ولماذا؟ إنه فقير .. وعلى باب الله!

- سيدفعه فقره ذات يوم إلى أن يصبح كابن خالتك

- هل تحاسبون الدناصير على النوايا؟

- أوليست الأعمال بالنيات؟

* * * * * * *

تحققت أحلام الديناصور: فقد بنى على قمة جبل بيتا ريفيا جميلا مملوءاً بالحريم .. فيما انزوت الديناصورة في غرفتها في الجهة الخلفية من البيت .. توقفت عن مقابلة الديناصورات والاختلاط بهم .. ثم توقفت عن الأكل .. وبعد مدة (لا تحددها كتب التاريخ) أسلمت الروح ..

* * * * * * *

بعد مدة (اختلفت كتب التاريخ في تحديدها أيضاً)، غزت الكوكب كائنات من مكان ما في هذا الكون .. وجدوا أحافير الديناصورات .. ومن بينها أحفورة لديناصورة أنثى .. حفرت الدموع في وجهها الأخاديد.