2010/09/22

فنجان القهوة وطعمه الغريب

كان يمكن أن أكتب عن عطش الأرض لماء السماء .. وعن رائحة التراب المتلهف شوقا للمطر .. وعن فرحة الصغار والكبار بقطرات المطر الأولى في هذا الصباح الأيلولي الجميل ..

ولكن تلهفي لارتشاف فنجان قهوتي الصباحية كان أقوى .. فأجلت الكتابة ريثما أعد لنفسي غلاية من القهوة (أتمزمز) عليها وأنا أكتب .. ولكن منظر علبة القهوة فارغة صدمني فسارعت بارتداء عباءتي لأنزل إلى السوبرماركت القريب من البيت لأشتري لي وقية من القهوة ..

وزن لي أبو محمد وقية القهوة ولم ينس إضافة (التحويجة) التي يعرف جيدا مقدار حرصي عليها .. وبعد أن أحكم إغلاق الكيس الورقي باللاصق الشفاف ووضعه في كيس آخر شفاف من البلاستيك، وضعه أمامي قائلا: (275) ..

وكانت تلك الصدمة الثانية التي أصاب بها بعد صدمتي الأولى بمنظر علبة القهوة الفارغة .. (275 شو؟) سألت أبا محمد وقد تجسدت على وجهي كل علامات البؤس والاندهاش والمواطنة الصالحة ..

(275 شو يعني؟)

رد أبو محمد على سؤالي بسؤال .. ففهمت أن سؤالي كان سؤالا غبيا ..

وعدت إلى البيت .. وأعددت قهوتي .. ولكن طعمها هذه المرة كان مختلطا بالكثير من مرارة الطحن والانسحاق ..

ترى .. هل يحس أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة بهذا الطعم الذي أحس به الآن؟

2010/09/14

الهواء الذي أتنفسه ليس لك

لا أحب التدخين .. وأهرب من أي مكان فيه مدخنون أو أي أثر لدخان سجائرهم مهما كان قليلا .. وانتصرت على بعض (النزوات التدخينية) لأبي عمر بعد أن أشهرت في وجهه سيف التهديد: أنا أو السيجارة .. ويبدو أن تهديداتي قد ثنته فعلا عن التدخين لأنه (حسبها) فوجد كلفة (اقتنائي) وتكلفة (الخدمات التي أقدمها له ولعمر) أقل كثيرا من كلفة شراء الوجبات الجاهزة وإرسال ملابسه وملابس عمر للغسيل والكوي واضطراره لتحضير الشاي والقهوة وجلي الابريق والكاسات والملعقة .. فانتصر حرصه على حبه الفتي للسيجارة فانتصرت في معركة التخيير والاختيار .. وكانت تلك هي المعركة الوحيدة التي انتصرت فيها على أبي عمر أو بالأحرى نصرني فيها أبو عمر على نفسه.

وقد تسبب كرهي للتدخين ورائحة الدخان بخسارات اجتماعية متعددة .. فالكثيرات من الجارات (اختصرنني) من حضور جلساتهن التي لا بد أن تترافق فيها رشفات القهوة أو الشاي مع مجات من سجائرهن .. كما أرحنني من زياراتهن الطويلة واقتصرت إطلالاتهن على بيتي عندما يحتجن راسين بصل أو راس ثومة أو رغيفين خبز للعشاء لأن عندهم ضيوف ويخشين عدم كفاية (الخبزات) ..

والغريب أن الصور المقززة والمثيرة للرعب التي أجبرت شركات الدخان على وضعها على علب السجائر لم تحرك شعرة واحدة من حاملي تلك العلب والغريب أيضا أن المدخنين يستقبلون كل عملية رفع لأسعار السجائر باتهامات للحكومة بأنها تنوي الاغتناء من جيوب المدخنين .. والأغرب أن بعض المدخنين من ذوي الدخل المتدني يعتبر تأمين السيجارة التي يسلطن عليها أكثر أهمية من تأمين رغيف الخبز أو ملابس العيد أو ثمن قرطاسية الأولاد في بداية كل فصل دراسي ..

أما إذا ما ارتفع صوت أحد الركاب (في الباصات التي يكدسون فيها الركاب كالسردين) بالشكوى من عدم قدرته على التنفس بسبب دخان السجائر، فسرعان ما (يجحره) السائق والكونترول وبعض فاعلي الخير من الركاب بنظرات تكفي لإصابته بالسكتة أو الجلطة أو الشلل النصفي وربما تبرع أحدهم بنصيحة توبيخية ساخرة: (نعم يا حبيبي؟ مش عاجبك انزل من الباص وخدلك تكسي يا روح ماما!). وطبعا يضطر المشتكي إلى الإعتراف بأن (الشكوى لغير الله مذلة) وربما يقتنع بأنه كان دلوعا أكثر مما يجب عندما لم يتحمل (شوية دخان خفيفات لطيفات كالنسيم العليل!) ..

أيها المدخن .. إذا كنت لا تريد أن ترحم نفسك من التدخين وأضراره فأنت حر .. ولكنك لست حرا - أبدا - في إجباري على الإصابة بالأمراض المترتبة على التدخين .. ولا على تحمل رائحته وقرفه لمجرد أن حضرتك (جاي على بالك سيجارة). فالهواء الذي أتنفسه ليس لك

مع فائق الاحترام والتقدير

2010/09/11

عيد سعيد

”عيدٌ سعيدْ“

قالتْ، وعيناها تغالب دمعتينِ، وتهربانٍ إلى البعيدْ

وأجبتها: ”عيدٌ سعيدْ“

وجلسْتُ، أبحثُ بين ورداتٍ رُسِمْنَ على الجدارِ عنِ اليدِ الرَسَمَتْ هنالك وردتينِ على جليدْ

سَكَتَتْ، سَكَتُّ، وكانت الكنباتُ صامتةً، وعصفورٌ على الشّبّاكِ يرمقنا بحزنٍ لا يحيدْ

قالت: ”هنا كانتْ تزقزقُ، قبل أنْ ..“

سَكَتَتْ، سَكَتُّ، وغمغمتْ شفتايَ: ”يا أللهْ“

ثم انطلقتُ وقد ذُبِحْتُ من الوريدِ إلى الوريدْ

2010/09/10

نعم يختي

عندما قلت (لأبو عمر) أنني أرغب في الذهاب إلى محترف رمال لحضور أمسية بمناسبة مرور سنة على تأسيس الملتقى الأدبي، نظر إلي من فوق زجاج عدسات نظاراته وعلى شفتيه ابتسامة قائلا: نعم يختي؟

ثمة تعبيرات في الحياة الزوجية ذات دلالة محددة .. تستغربها الزوجة في البداية ولكنها مع كر الأيام وفرها تعتادها وتفهم بالضبط معانيها ودلالاتها ومن تلك التعبيرات ما يقوله الزوج عادة من فوق عدسات نظاراته وعلى شفتيه ابتسامة: نعم يختي ..؟

وطبعا لا تظهر علامات الاستفهام الثلاثة أو أكثر في التعبيرات اللفظية غير المكتوبة .. ولكن الابتسامة المرافقة كموسيقى تصويرية تأخذ مكان تلك العلامات .. وتفهم الزوجة بما لا يقبل الشك أن سي السيد نطق القرار وإن لم تنطق به شفتاه .. والقرار هو الرفض بالطبع .. وعلى الأغلب لن يجدي أي نقاش بعد هذه ال نعم يختي .. ولن تفيد أي من الأسلحة الأنثوية في تغييرها .. كما لن تفيد تأكيدات الزوجة أن هناك فتيات ونساء سيحضرن الأمسية .. ولا أن الشباب الذين سيتواجدون في الأمسية هم كيوسف حياءً وتهذيبا وأدبا .. ولن تنفع استجداءات الزوجة للزوج بمرافقتها كمحرم في مقابل السماح لها بالحضور .. كل ما سينفع في تلك الحالة هو اقتناع الزوجة بأن حضور هذه الأمسيات هو ترف لا داعي له في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها أمتنا .. وقد يفيدها فنجان من القهوة قد يكون مترافقا مع سيجارة زعل ..

وكل عام والملتقى الأدبي بألف خير

2010/09/05

بين الإبداع والإبتداع

أنا امرأة تحب الشعر كثيراً .. وأزعم أنني أحفظ الكثير منه .. وبلغ مني حب الشعر أنني أستطيع اكتشاف الأبيات المكسورة سماعيا دون الحاجة إلى تقطيعها باستخدام الورقة والقلم ..

ولحبي للشعر فقد لفت انتباهي ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى: ”الشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون“ ..

ولما كان القرآن كلام الله المنزل على نبيه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقد اجتهدت في محاولة التوفيق بين حبي للشعر وإيماني المطلق بالله ونبيه وكتابه .. وتوصلت إلى ما قد يكون توصل إليه غيري .. من أن الآيات المذكورة ليست تقريرا لواقع أو حقيقة تنطبق على كل الشعراء بقدر ما هي توجيه رباني للشعراء بأن يجتنبوا الصفات التي ذمتها الآيات واعتبرتها نقيصة في الشعر والشاعر ..

ومن ذلك أن يصف الشاعر نفسه في مجال التفاخر أو المدح بصفات لا تجوز إلا لله أو لنبي .. كأن يقول لمحبوبته مثلا (يا معبودتي) .. أو (يا خالقتي) .. أو كأن يقول لها بأن جمالها (ليس له كفوا أحد) .. أو يدعي أنه سيصنع لها أو معها (جنة عرضها السموات والأرض أعدت للعاشقين) .. أو أن يمدح زعيما أو شاعرا أو فيلسوفا أو رجلا ذو سلطة ونفوذ بأنه (نبي هذا الزمان) .. أو بـ (الملهم) .. والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها ولا عد ..

والمصيبة لا تقف عند هذا الحد .. فهو إن ذهبت تنصحه بالتوقف عن ذلك اتهمك بأنك لا تفهم بالإبداع .. وبأنك تحاربه غيرة وحسدا وحقدا .. ولا مانع عنده من استخدام عبارات وكلمات الاستهزاء والتهكم منك ومما تقول .. فأنت (ذو نظرة مشايخية) .. وأنت دون مستوى فهم عمق كلامه وتعبيراته .. وأنت لا مكان لك في عصر النور والتنور لأنك ظلامي لا تفهم بالمجاز ولا تتقنه ..

ترى .. ألا ينطبق على هؤلاء قوله تعالى: ”وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم“؟

إذا أنت لم تقرأ

إذا أنت لم تقرأ من البحر صمتهُ

فلا أنت غواصٌ ولا أنت راكبُهْ

ولا أنت صياد اللآلي بقعرهِ

ولا يقهر الأمواج من هو هائبُهْ

أعيذك بالفرقان أن تهجر النهى

وتكتب شعراً لا يفاخر كاتبُهْ

أعيذك أن تلقى إلهك غاضباً

عليك وتشقى بالضلال تصاحبُهْ

فما زادك الإيمان إلا نضارةً

وما أبشع الإنسان حين يغاضبُهْ

أتوب إلى ربي فإنْ أنت صاحبي

تتوب لربٍّ لا يجافيه تائبُهْ

وتحثو على شعر الضلالة تربةً

وتكتب شعراً لا يكدَّر شاربُهْ