لا أحب التدخين .. وأهرب من أي مكان فيه مدخنون أو أي أثر لدخان سجائرهم مهما كان قليلا .. وانتصرت على بعض (النزوات التدخينية) لأبي عمر بعد أن أشهرت في وجهه سيف التهديد: أنا أو السيجارة .. ويبدو أن تهديداتي قد ثنته فعلا عن التدخين لأنه (حسبها) فوجد كلفة (اقتنائي) وتكلفة (الخدمات التي أقدمها له ولعمر) أقل كثيرا من كلفة شراء الوجبات الجاهزة وإرسال ملابسه وملابس عمر للغسيل والكوي واضطراره لتحضير الشاي والقهوة وجلي الابريق والكاسات والملعقة .. فانتصر حرصه على حبه الفتي للسيجارة فانتصرت في معركة التخيير والاختيار .. وكانت تلك هي المعركة الوحيدة التي انتصرت فيها على أبي عمر أو بالأحرى نصرني فيها أبو عمر على نفسه.
وقد تسبب كرهي للتدخين ورائحة الدخان بخسارات اجتماعية متعددة .. فالكثيرات من الجارات (اختصرنني) من حضور جلساتهن التي لا بد أن تترافق فيها رشفات القهوة أو الشاي مع مجات من سجائرهن .. كما أرحنني من زياراتهن الطويلة واقتصرت إطلالاتهن على بيتي عندما يحتجن راسين بصل أو راس ثومة أو رغيفين خبز للعشاء لأن عندهم ضيوف ويخشين عدم كفاية (الخبزات) ..
والغريب أن الصور المقززة والمثيرة للرعب التي أجبرت شركات الدخان على وضعها على علب السجائر لم تحرك شعرة واحدة من حاملي تلك العلب والغريب أيضا أن المدخنين يستقبلون كل عملية رفع لأسعار السجائر باتهامات للحكومة بأنها تنوي الاغتناء من جيوب المدخنين .. والأغرب أن بعض المدخنين من ذوي الدخل المتدني يعتبر تأمين السيجارة التي يسلطن عليها أكثر أهمية من تأمين رغيف الخبز أو ملابس العيد أو ثمن قرطاسية الأولاد في بداية كل فصل دراسي ..
أما إذا ما ارتفع صوت أحد الركاب (في الباصات التي يكدسون فيها الركاب كالسردين) بالشكوى من عدم قدرته على التنفس بسبب دخان السجائر، فسرعان ما (يجحره) السائق والكونترول وبعض فاعلي الخير من الركاب بنظرات تكفي لإصابته بالسكتة أو الجلطة أو الشلل النصفي وربما تبرع أحدهم بنصيحة توبيخية ساخرة: (نعم يا حبيبي؟ مش عاجبك انزل من الباص وخدلك تكسي يا روح ماما!). وطبعا يضطر المشتكي إلى الإعتراف بأن (الشكوى لغير الله مذلة) وربما يقتنع بأنه كان دلوعا أكثر مما يجب عندما لم يتحمل (شوية دخان خفيفات لطيفات كالنسيم العليل!) ..
أيها المدخن .. إذا كنت لا تريد أن ترحم نفسك من التدخين وأضراره فأنت حر .. ولكنك لست حرا - أبدا - في إجباري على الإصابة بالأمراض المترتبة على التدخين .. ولا على تحمل رائحته وقرفه لمجرد أن حضرتك (جاي على بالك سيجارة). فالهواء الذي أتنفسه ليس لك
مع فائق الاحترام والتقدير