2010/01/07

المريلة

”يللا إصحى يما .. الساعة صارت ستة. بدنا نلحق نروح عالوزارة. المفروض قبل الساعة ثمنية نكون هناك“.

فتحت عيني. تقلبت في فراشي. فركت عيني، فأحسست بالنعاس كالرمل الخشن تحت جفني. منذ مدة لم أشبع من النوم. فقد كان عملي في النهار كبائع متجول يسلمني مهدودا كل مساء لسهرة حل الواجبات وتحضير دروس الغد. ومنذ أن تقلص البيت بعد أن أخلت الأسرة نصفه للموظف الجديد الذي حل محل أبي وأنا مضطر للدراسة في غرفة صغيرة هي بمثابة مدخل البيت. وقد بدأ الموظف الجديد مضايقاته لنا ليجبرنا على إخلاء البيت، فقام بقطع الكهرباء. ومنذ ذلك الوقت وأنا أدرس على ضوء بريموس (بابور) الكاز.

ومع ذلك كان يجب أن أنهض. ففي الليلة الفائتة وقف المختار على باب الحوش الخارجي وأخذ يطرق الباب طرقا مدويا .. وخرجت أمي للتحدث إليه.

”يا أم محمد. أبو محمد ما عاد موظف هون. والزلمة الجديد بدو البيت كله. الغرفة اللي فضيتولوا اياها ما بتكفيه. رجاءا بدي اياكم تدبروا حالكم من هون لآخر الشهر وتفضوله البيت“.

”بس أبو محمد ألله يفرجها عليه يا أبو إبراهيم. وأنا مره وحدانية هون ومقطوعة من شجرة. أهلي بالضفة وما فيه حدا أروحله أنا وولادي“.

”إسمعي أم محمد. الله يرضى عليكي لا تكثري حكي. ما حدا قال لأبو محمد يعمل اللي عمله تا يخسر وظيفته. ومش مشكلتنا وين تروحي انتي وولادك. إلكو ألله بس إحنا بدنا البيت“.

قمت من فراشي. لبست ما كان يسمى حذاءا. وخرجت مع أمي لنكون في تمام الساعة الثامنة أمام باب الوزارة.

”أنا أم محمد. مرت فلان الفلاني“.

”أهلا وسهلا“. قال الرجل الوسيم الجالس وراء مكتبه الفخم. نظر إلى أمي نظرة سريعة ثم نظر إلي بحنان.

”إنت محمد؟“. سألني.

”آه. أنا محمد“.

”شوفي يا أم محمد. أنا راح أحاول كل جهدي أساعدكم. راح أحاول أمطمط الشغلة أطول مدة ممكنة. وبلكي ربنا فرجها قبل ما يقدر الزلمة يوصل الشغلة للمسؤولين اللي أكبر مني“.

”الله يخليك يا سيدي. الله يخليلك أولادك. أنا مره وحدانية ومقطوعة وما إلي غير ألله وغيرك. أبو محمد كان يذكرك كثير بالخير. وعشان هيك أنا قصدتك أنت بالذات“.

”ألله يجيب اللي فيه الخير ويقدرني أساعدكم.“ أجابها.

”تعال يا محمد. خذ هاد الكرت وبتروح على مطعم المدينة المنورة. هاي كتبتلك العنوان وإسم صاحب المطعم هون. بتقوله بيسلم عليك أبو صهيب. وبقولك شغلني عندك. وبتشتغل عنده عبين ما ألله يفرجها معكم. فاهم شو حكيتلك ولا أعيد؟“.

”فاهم يا سيدي“.

أخذت منه الكارت. شكرته أمي وخرجنا.

عندما وصلنا إلى المطعم كان أبو صهيب قد كلم صاحب المطعم تلفونيا.

”أنت محمد“ سألني وهو يتفحصني.

هززت رأسي بنعم.

”ولكنك صغير يا محمد. إنت مش بتروح عالمدرسة؟“

”بروح. لكن هسه عطلة آخر السنة“

”طيب يا محمد. من هلأ بتقدر تداوم. الدوام هون من السبعة للسبعة.وراح أعطيك خمسطاشر ليرة بالشهر لأنك جاي من طرف أبو صهيب بس. وإلك وجبة غدا كل يوم ع حساب المحل“

ونادى بأعلى صوته ”يا شحادة“. فحضر رجل أربعيني.

”نعم سيدي“.

”خذ محمد معك ع المطبخ. راح يشتغل معكم ع الجلي“.

أخذني شحادة إلى مكان طويل وضيق. تضيؤه لمبات إنارة ضعيفة جدا. أعطاني مريلة وصلت إلى ما تحت منتصف ساقي. وبدأت العمل.