بسبب أزمة المرور الخانقة تأخرت هي عن موعد انطلاق المترو فكان لا بد من انتظار المترو التالي. وضعت حقيبة يدها بجانبها على المقعد الفارغ. وكانت القاعة شبه فارغة إلا من عدد من الباعة الذين كانوا يفترشون بلاط قاعة الانتظار.
قتلها الملل فجالت بعينيها في أرجاء القاعة. وفجأة شخصت عيناها حينما وقع نظرها على رجل كان يدير ظهره لها. – أيعقل أن يكون هو؟ – ولم لا؟ – ولكن رأس هذا الرجل أكثر شيبا من رأسه .. – أنسيت أن الرجال قد يشيبون كثيرا في أربعة أشهر؟ – يا إلهي! هل مرت فعلا أربعة أشهر على لقائنا الأخير؟ – نعم. نعم أيتها الجاحدة القاسية. مرت أربعة أشهر – لست أنا القاسية. هو القاسي. – بل أنت القاسية. – ربما. ولكن قسوتي كانت ردا على قسوته. -اسكتي. لن نتفق لأنك تكابرين ..
فكرت أكثر من مرة أن تفتعل أي سبب للفت انتباهه نحوها لعلها تتأكد من هويته. ولكنها كانت تتردد في كل مرة .. فكرت أن تقوم من مكانها بأي حجة .. بأن تشتري جريدة أو علكة أو أي شيء من أحد الباعة الذين يجلسون أمامه في الطرف الآخر من القاعة .. ولكن قدماك لا تطاوعانك على النهوض وحملك في ذلك المشوار الطويل ..
كانت القاعة قد امتلأت بالمنتظرين للمترو التالي. عندما استطاعت أخيرا أن تنهض على قدميها .. حملتها ساقاها فسارت باتجاهه .. ولكنها كانت ذات اللحظة التي اندفع فيها حشد المنتظرين باتجاه المترو التالي .. عشرون ثانية أو تزيد قليلا كانت كافية لهدوء الضوضاء وانحسار ذلك الحاجز البشري الذي فصلها عنه .. نظرت باتجاهه .. وكان المقعد فارغا.