2014/10/26

آخر معلقات العرب: بوس الواوا - للشاعرة هيفاء بنت وهبي

مما لا شك فيه أن العرب اتسمت بالفصاحة والبلاغة .. وقد اختارت العرب سبع قصائد، علقت على جدار الكعبة، فيما عرف فيما بعد بالمعلقات السبع (وقيل المعلقات العشر) .. وبعيداً عن ذلك الخلاف التاريخي في كونها سبعاً أو عشراً، أبت العروبة إلا أن تثبت أنها ولادة، وأن الزمن لم يمنعها من أن تنجب من يضيفون إلى تلك المعلقات معلقة جديدة .. إنها معلقة (بوس الواوا) ..

وفي حين كانت المعلقات السبع (أو العشر) جميعها لشعراء ذكور .. فإن معلقة (بوس الواوا) تتميز بأنها معلقة (أنثوية) .. فيما ينبغي اعتباره كسراً للاحتكار الذكوري لحقل المعلقات ..

فجزى الله هيفاء وهبي خير الجزاء .. ولا غرو .. فعصرنا هو عصر تحرر المرأة من قيودها لتنطلق في أوتوستراد الإبداع في كافة حقوله ومجالاته ..

وكما كان الشاعر الجاهلي يجمع في قصيدته كل أغراض الشعر .. من غزل وفخر ومدح وهجاء، فإن معلقة بوس الواوا تتكون من أربعة محاور أساسية:

المحور الأول:

ليك الواوا بوس الواو خلى الواوا يصح

لما بست الواوا شلته صار الواوا بح

أما المحور الثاني فهو:

بقربك خبينى اغمرنى ودفينى

انا من دونك انا بردانه اح

المحور الثالث:

الليله احلى سهره عند احبابى

بدو يانى البس احلا تيابى

بلبس لعيونك يا حبيبى

كل جديد ودح

في حين تختتم هيفاء وهبي معلقتها بالمحور الرابع والأخير:

بوثق فيك وبدى تبقى حدى

انت بين الناس الاغلى عندى

و اخر همى شو ما يقولو غلط ولا صح

* * * * * * *

كمقاربة أولى لنص معلقة بوس الواوا، يمكن أن نلمس فيها أبجديات النظرية العلمية الثورية التاريخية الديالكتيكية، وأقصد أبجديات العمل الثوري في علاقة الطليعة الثورية المثقفة بجماهيرها .. فالمثقف الثوري الملتزم بالجماهير وقضاياها سيكون قادراً على التغلب على آلامه وأوجاعه بالتفاف الجماهير المحبة حوله .. فمحبة الجماهير ستنسيه كل تلك الآلام والأوجاع وكأنها لم تكن:

(ليك الواوا بوس الواو خلى الواوا يصح

لما بست الواوا شلته صار الواوا بح)

ويتأكد هذا المعنى بالمحور الثاني من المعلقة .. حينما تحتضن الجماهير المثقف الثوري الملتزم، فتحميه من أعدائها وأعدائه، وتمنحه طاقة ودفئاً وحماساً:

(بقربك خبينى اغمرنى ودفينى

انا من دونك انا بردانه اح)

ويفاجؤنا المحور الثالث من المعلقة بحقيقة مبهرة .. فالمثقف الثوري الملتزم قادر على التجديد الدائم بما يجعله المعبر دائما عن قضايا الجماهير ومصالحها، فلا يتجمد عند مقولات تثبت التجربة والمراس عدم صحتها بل ينقلب على نفسه وعليها مجدداً:

(الليله احلى سهره عند احبابى

بدو يانى البس احلا تيابى

بلبس لعيونك يا حبيبى

كل جديد ودح)

إن المثقف الثوري يثق في نقاء الجماهير وحدسها الثوري وقدرتها الدائمة على تمييز أصدقائها وأعدائها .. هذه الثقة المتبادلة تجعله يمتلك الصلابة الثورية فلا يخشى في الحق لومة لائم ولا يؤثر فيه تشكيك مشكك:

(بوثق فيك وبدى تبقى حدى

انت بين الناس الاغلى عندى

و اخر همى شو ما يقولو غلط ولا صح)

* * * * * * *

والمفاجأة المذهلة في المعلقة هي التكرار اللذيذ لهذا المقطع:

ليك الواوا بوس الواو خلى الواوا يصح

لما بست الواوا شلته صار الواوا بح

وقد اتفق جميع النقاد أن التكرار ممل مخل إلا في هذه المعلقة .. فهو يقوم بدور تأكيدي على ما يسمى (بثيمة النص الأدبي) .. وأعني بها هذه العلاقة الجدلية ما بين الألم (الواوا) ونقيضه (البوسة)!

أما الأكثر إبهاراً في المعلقة فهو مقدمتها .. عندما تردد الشاعرة كلمة (واوا) أربع مرات:

واوا

واوا

واوا

واوا

* * * * * * *

ليك الواوا

* * * * * * *

أما عن (ليك الواوا) هذه .. فحدث ولا حرج!