2014/02/20

ثلاثة قلوب

قالت: أعلم أنك تحبها. لا تنكر

قلت: ولم أنكر؟ أنا أحبها فعلاً.

قالت: وتقولها في وجهي؟ فكيف إذن تقول إنك تحبني؟

قلت: وما الغريب في ذلك؟ نعم. أنا أحبك أيضاً.

قالت: هل يتسع قلبك لحبين؟

قلت: بل يتسع لأكثر من ذلك.

دخلت ديانا، وقفت فاتحا ذراعي، فارتمت بينهما وقبلتني ..

نظرت إلى هنادي مبتسما وقلت: ماذا تتظرين؟

أخذت مكانها إلى جانب أختها بين ذراعي .. ووقفنا هكذا .. ثلاثة قلوب .. تنبض بإيقاع واحد

Fuck You, Idiot!

بعد غياب عن النت استمر أسبوعا كاملاً، ها هي الآن، صديقتي الأمريكية، على النت، إنها أونلاين، فإلى يمين اسمها تضيء دائرة صغيرة خضراء مع كلمة Web باللون الأخضر أيضاً ..

انتظرت أن تنبثق على شاشة حاسوبي نافذة الدردشة، وأن تبادر هي إلى تحيتي كما كانت تفعل دائما: ”Hello sweety“ ..ولكن ذلك لم يحدث .. قلت في نفسي: ”لعلها بعيدة عن حاسوبها .. لعلها في المطبخ، أو الحمام، أو لعلها نائمة، أو ..“

ولكن سرعان ما رأيت لايكاتها وتعليقاتها على مشاركات أصدقائها .. قلت في نفسي: ”يعني شو راح تخسر إذا بادرت حضرتك بالحكي؟“ .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. وبسملت .. و

- Hello sweety

قال الفيسبوك إنها رأت رسالتي .. أما هي فلم ترد ..

انتظرت .. مرت دقيقة .. ثم دقيقة أخرى .. ثم دقيقة ثالثة ..

- Hellooooo!!! Anybody there???

مرة أخرى .. قال الفيسبوك إنها رأت رسالتي .. ولم ترد

.. بدأت بكتابة كلام طويل مليء بالعتاب والتساؤل عن سبب غيابها لأسبوع كامل .. وعن سبب تطنيشها للتحية والسؤال .. ولكن .. قبل أن أكمل ما أردت قوله .. قال لي الفيسبوك: ”فلانة تكتب ..“

مسحت كل ما كتبت انتظاراً لانتهائها من الكتابة وظهور رسالتها على شاشة حاسوبي .. في الحقيقة لم أمسح ما كتبت، بل قمت بقصه واحتفظت به .. فقد أحتاجه .. حسب ردها .. وحسب مجريات الحوار .. احتفظت به لكي أعمل له (بيست) إذا لزم الأمر ..

ولكن الفايسبوك توقف فجأة عن إخباري ”فلانة تكتب ..“ .. ورأيت لها، مرة أخرى، لايكات جديدة، وتعليقات جديدة، على مشاركات أصدقائها .. هذه المرة كانت ضحكاتها أطول .. وكانت حافلة بالكثير من ال(سمايلي فيس) .. بعضها كان يخرج لسانه .. أحسست أنها تخرج لسانها لي .. لي أنا .. كأنها تقول لي: ”إنني أخرج لساني لك أنت .. نعم .. لك أنت .. وليس لأي شخص آخر“ ..

استشطت غضباً .. فقد شعرت، كأي شرقي، أن رجولتي قد مسح بها البلاط .. وليس أي بلاط .. بل .. وتحديداً .. بلاط هارون الرشيد (الذي هو أنا) .. هارون الرشيد الذي تقمصت شخصيته كما وصلتنا في حكايات ألف ليلة وليلة .. استشطت غضبا عندما تذكرت أنها أمريكية .. وأنني عربي .. وأن بغداد كلها .. وليس بلاط هارون الرشيد فقط، قد مسح بها (ربع) هذه الأمريكية بلاط حماماتهم في أبو غريب والمنطقة الخضراء.

- اسمعي أيتها الأمريكية المتعجرفة ..

كتبت ذلك .. وتوقفت قليلا .. هل تسرعت؟ أليس من الممكن أن هذا الإنترنت اللعين قد أصابه خلل لعين فحجب عني كلاما جميلاً كتبته لي؟

لوهلة، أحسست بالندم. تمنيت أن يكون ذلك خلل تقني في الإنترنت .. وتمنيت أن يحجب نفس الخلل كلماتي الأربعة الأخيرة ..

- Fuck You, Idiot!

صعقت .. يا إلهي! هذه الشتيمة .. لي أنا؟ لهارون الرشيد؟

بدأ هارون الرشيد بكتابة رده على تلك الشتيمة .. كان يكتب بغزارة .. بغزارة القنابل الأمريكية التي أسقطتها طائرات ربع تلك الأمريكية على رؤوس أطفال بغداد الذين كانوا في ملجأ العامرية .. وبغزارة القنابل الأمريكية التي أسقطتها طائرات ربع تلك الأمريكية على رؤوس أطفال غزة .. قال هارون الرشيد أشياء كثيرة .. ولكنه قبل أن يضغط على زر الإرسال على لوحة مفاتيح حاسوبه .. كانت قد عملت له (بلوك) .. وبقيت كلماته المتأججة على شاشة الحاسوب اللعين.

2014/02/19

قصص الغرام

قِصَصِ الغَرامْ

اللّي انْتَ فرحانْ بِيها مِشْ أكترْ مِنِ شْوَيِّةْ كلامْ

لا تْجيبْ ولا تْوَدِّي فِ سُوقِ الخُضْرَة أو عندِ المدامْ

قِصَصِ الغَرامْ

حاجاتْ كِدَهْ

مِنْ كلمتينِ وْبَسّْ

فِ الأُولى زَيِّ المبْتدا

بْتِبْقَى سعيدْ واهْبلْ أَوِي

فاتحْ دِراعينكْ على طولِ المَدى

والتّانْيَةْ تِقْفِلْها وِتِخْتِمْ نَحْسْ

قِصَصِ الغَرامْ

ثَوْرَةْ ابْتَدِتْ حِلْوَةْ أَوِي

ناسِ افْتَرَسْها الجُوعْ وِانْيابِ القَدَرْ

شالِتْ عَنِ الباشا نَياشِينِ الظَّفَرْ

وِادِّتْها لُوزَةْ مْقَشَّرَة لْشِيخِ الغَفَرْ

2014/02/17

لا شيء وكل شيء

طرقات خفيفة على باب غرفتي ..

- إدخل!

كانت ديانا .. دخلت .. ووقفت بين درفة الباب والإطار ..

- فوتي بابا .. اقعدي

- لأ .. بس .. بدي .. يعني .. أسأل

سكرت شباببك الدردشة الكثيرة مع نسوانات الفايسبوك .. واصطنعت الوقار ..

- اسألي بابا

- مممممم .. هوه يعني بس .. بدي أسأل .. بقدر أرفع معدلي؟

- طبعا يا بابا بتقدري

- جد؟ كيف؟

- تعالي اورجيكي

فتحت صفحة أكسل .. وضعت فيها علامات الفصل الأول .. والعلامات التي تستطيع أن تحصل عليها في الفصل الثاني .. جمعت وطرحت وقسمت وضربت .. ثم قلت لها مبتسما:

- وهيك .. بتقدري ترفعي معدلك ل 94

انبسطت ديانا

- طيب بابا .. كيف ممكن ادرس عشان أرفع معدلي؟

آخ يا بابا لو تدرين .. لقد أصابني سؤالك في الصميم ..

تذكرت تجربتي أنا في التوجيهي .. عندما كان التوجيهي توجيهي .. عندما كان بيتنا .. غرفة نوم، وغرفة ضيوف، وحوش صغير فيه مطبخ خارجي وحمام خارجي .. كنت أخرج مع شروق الشمس وكتابي في يدي .. أمشي في الوديان الفارغة إلا مني ومن بعض قطعان الغنم يقودها راع ويتبعها أو يدور حولها كلب القطيع ..

كنت أخرج لا محبة في الطبيعة .. ولكن لأن الدراسة في البيت كانت مستحيلة طوال النهار .. أما في الليل .. فكان البيت يهدأ قليلا بعد أن ينام أهله .. في ذلك الليل كنت أقسم الوقت قسمين: قسم أرتاح فيه من مشي النهار .. وقسم أدرس فيه المواد التي لا يمكن دراستها ماشيا في الوديان وبين الحقول ..

لم أقل لديانا كل ذلك .. ولم أقل لها إنني كنت أدرس قبل ذلك بسنوات على ضوء بابور الكاز الذي كنت أضعه أمامي على الطاولة .. وأضع الكتاب بيني وبينه ليضيء لهبه صفحات الكتاب .. ولم أقل لها إنني كنت أشتغل في الصيف وأيام العطل ونهايات الأسبوع لكي أجمع ما يكفي من النقود لشراء مستلزمات المدرسة وتأمين مواصلاتي ذهابا وإيابا من بيتنا في عمان إلى مدرستي في صويلح .. ولم أقل لها إنني برغم تلك الظروف كنت من أوائل المحافظة .. وإنني .. ربما .. لولا تلك الظروف .. لكنت من أوائل المملكة .. لم أقل لها أي شيء من ذلك .. لئلا تسألني السؤال الوحيد المنطقي بعد كل هذا الكلام: فلماذا يا أبي لم تصبح شيئا .. وصار من لم يكن مثلك كل شيء؟

2014/02/15

عيال الشيخ عواد

كنت في سيارتي، متجها إلى المدينة، في رحلتي اليومية إلى عملي، عندما أوقفني بعض الشباب المتجمعين على دوار القرية ..

- أستاذ صباح الخير

- صباح النور يا إبني

- أستاذ الطريق مسكرة .. شوفلك طريق ثانية

- خير؟ شو في؟

كان الشباب عصبيين ومتوترين .. من الواضح أن ثمة أمرا جللاً .. ولكن ما هو؟

- عيال الشيخ عواد .. أستاذ

- مالهم؟

- مسكرين الطريق أستاذ

- طب ليش يا إبني؟

سكت الشاب .. في حين قهقه أحد رفاقه قائلاً:

- الأفندي من عيال الشيخ عواد كمان .. ثم وجه خطابه لي:

- اقلب وجهك وارجع من مطرح ما جيت .. أحسنلك

ثم أضاف بحقد غريب:

- أحسنلك يا .. أستاااااااااذ

استدرت وعدت أدراجي من الطريق الذي جئت منه باحثا عن طريق آخر يوصلني إلى الشارع الرئيسي ..

* * * * * * *

وأخيرا وصلت مكان عملي .. دخلت مكتبي .. فتحت جهاز الكمبيوتر .. وصرت اتنقل بين المواقع الإخبارية الإلكترونية لعلي أجد فيها خبرا عما جرى في القرية .. عندما رن هاتفي ..

- أستاذ محمد؟

- نعم أنا محمد .. مين حضرتك؟

- أنا الدكتور عصام من مستشفى الشفاء

خفق قلبي بشدة وخرج صوتي كالفحيح

- خير دكتور شو في؟

- تعال بسرعة .. بنتك هون وبدها دم ع السريع

- شو في دكتور؟ مالها بنتي؟

- ما في وقت أستاذ .. لما بتيجي بتفهم كلشي .. بس حاول دبر متبرعين .. بنتك بحاجة لخمس وحدات دم ..

تركت جهاز الكمبيوتر مفتوحا وهرولت إلى الباب الرئيسي .. اعترضني موظف السكيوريتي ..

- وين أستاذ محمد؟

- ع المستشفى

- خير شو في؟

- والله ما بعرف ..

- طيب معك تصريح خروج؟

آه .. تذكرت .. كان يجب أن أكتب تصريح خروج

- لا والله ..

ثم استدرت لموظف الإستعلامات ..

- اطلبلي الأستاذ أيمن ع السريع

طلبه وأعطاني سماعة الهاتف

- أستاذ أيمن أنا مضطر أغادر بسرعة ونسيت موضوع تصريح الخروج

- خير شو في؟

- اتصلوا فيي من المستشفى بنتي هناك وبدهم إياني أروح ع السريع

- طيب روح وطمنا شو بيصير معك .. هسه التصريح بيكون عند موظف الاستعلامات .. إعطيني إياه

- أستاذ تذكرت .. قالولي بنتي بدها خمس وحدات دم

- روح وما عليك .. اعتبرهم تأمنوا

* * * * * * *

لا أعرف كيف وصلت المستشفى ولا أي طريق سلكت ولا المدة التي استغرقتني للوصول .. اتجهت لموظف الاستقبال في المستشفى مندفعا كالصاروخ ..

- أنا محمد العواد .. إتصل معي دكتور من عندكم .. الدكتور عصام

- بنتك اسمها عايدة محمد؟

- أيوه عايدة محمد العواد

نظر إلي نظرة غريبة .. ثمة أمر جلل يعرفه ولا يريد قوله ..

- طمنوني مالها بنتي؟

- استريح .. هسه بنطلبلك الدكتور عصام

لم أجلس حيث طلب مني الجلوس .. ظللت على أعصابي أذرع القاعة جيئة وذهابا أنتظر قدوم الدكتور

وأخيرا اقترب مني شاب طويل في الأربعينيات من العمر .. مد يده مصافحا ..

- أستاذ محمد؟

- نعم أنا محمد العواد .. طمني شو مالها بنتي؟

- أستاذ محمد .. إنت أكيد شخص مؤمن .. وأكيد بتعرف أنه الموت ..

قاطعته

- بس انت قلتلتي بنتي بدها خمس وحدات دم؟

- صحيح .. لما اتصلت فيك كانت .. لسه .. ما ماتت ..

لم أسمع شيئا مما قاله بعد ذلك .. لعله لم يقل شيئا .. لعله قال شيئا ولم أسمعه ..

عندما استفقت .. وجدت نفسي على سرير في غرفة نصف مضاءة .. نظرت من الشباك .. ظلام دامس .. أين أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وفجأة تذكرت المكالمة .. والطبيب .. وعايدة

حاولت النهوض من سريري فلم أستطع .. فصرخت ..

- عاااااااااااايدااااااااااااااة

تجمهر حولي عدد من الأشخاص .. ميزت بينهم الدكتور عصام ..

- أستاذ محمد .. إهدا أرجوك .. هسه بنعطيك إبرة وبتصير منيح ..

* * * * * * *

لا أدري كم مكثت في تلك الحالة .. أستفيق .. فيعيدونني إلى النوم بإبرة .. وبين الإستفاقة والإبرة المنومة تلتقط أذناي بعض التفاصيل ..

- مسكين .. لو يعرف شو اللي صار بالضبط شو راح يصير فيه؟

- الله لا يرده .. هظول عيال الشيخ عواد بدهم حرق أصلاً

- قال الشيخ عواد قال .. يا زلمة قول الشيخ قواد مش عواد!

أحيانا كنت أسمع صوت امرأة ..

- لو سمحت احترم نفسك ..

- وإذا ما احترمت نفسي؟ شو بدك تعملي يا محترمة؟

ثم أسمع أصوات احتجاج من المرأة .. وقهقهات رجل .. وبكاء .. ودعوات

- حسبي الله ونعم الوكيل فيكم بس .. حسبي الله ونعم الوكيل

وأحيانا كنت أسمع صوت الدكتور عصام موبخا ..

- رجاء لو سمحتوا إطلعوا برة .. كلكم .. إطلعوا برة ..

فأسمع صوتا يقول بنبرة استهزاء وتهديد:

- دكتور .. انت كمان من عيال الشيخ عواد؟

* * * * * * *

بعد أيام خرجت من المستشفى .. وقعت على أوراق كثيرة طلبوا مني التوقيع عليها .. ودعني الدكتور عصام على الباب الخارجي للمستشفى وهو يوصيني بعدم الانفعال والهدوء التام ..

- شو بالنسبة لعايدة دكتور؟

- عايدة الله يرحمها .. كان حادث سير عادي .. ضربت سيارتها بعامود وكان قضاء الله وقدره

- بس دكتور بيقولوا ..

- أستاذ محمد هاي الأوراق الرسمية كلها بين إيديك .. إنسى اللي بيقولوه أرجوك

* * * * * * *

عندما أوصلوني إلى القرية .. أصررت على الذهاب إلى المقبرة لأزور قبر عايدة أولاً .. وهناك كان قبرها .. قريبا من قبر الشيخ عواد .. كان شاهد قبرها مكسورا .. أما قبر الشيخ عواد فكان منبوشا ومحترقا وعلى اللون الأسود الناتج عن الحريق كتب بلون أبيض وبخط كبير وقبيح: الشيخ قواد

2014/02/13

توجيهي

ديانا ليست قلقة .. ولكنها تخرج من غرفتها .. تذهب إلى المطبخ .. تفتح باب الثلاجة .. ثم تغلقها دون أن تتناول منها شيئاً .. تملأ (المج) بالماء .. تضعه في (الميكروويف) .. تنسى أن تضغط على كبسة (الستارت) .. وتنتظر (تزميرة) الانتهاء.

أنا قلق؟ لا .. من قال ذلك؟ كل ما هنالك .. أنني فتحت على موقعين ينتتظر أن يعلنا نتائج التوجيهي .. كل ما هنالك .. أنني أعمل (رفرش) كل خمس دقائق للصفحتين .. أنا قلق؟ من قال ذلك؟ كل ما هنالك أن أعصابي مشدودة قليلاً .. وأنني متوتر قليلاً .. كل ما هنالك أنني اكتشفت أنني لم أنتبه للجرس البيولوجي الذي ظل يحاول عبثاً - منذ عودتي من العمل إلى البيت - تذكيري بضرورة الذهاب إلى الحمام ..

أم ديانا ليست قلقة أيضاً .. كل ما هنالك أنها كلما سمعت بوق سيارة - في الشارع القريب من بيتنا الذي أصبح حافلاً بالسيارات منذ أن تحولت الضاحية الهادئة التي اخترناها للسكن، ذات يوم قبل سبعة عشر عاماً لهدوئها - اعتقدته احتفالا بنجاح بعضهم .. فتسرع إلي لتسألني: طلعت النتائج؟ فأسارع إلى عمل (رفرش) للصفحتين ..

لا أحد قلق .. لا ديانا .. ولا أمها .. ولا أنا ..

ولماذا نقلق؟ إنها مجرد نتائج توجيهي .. لا راحت ولا إجت

2014/02/01

مملكة الصمت

منذ أن هجرته قبل سنوات .. وهو يبحث عن أي طرف خيط يقوده إليها .. كان يتتقل من شجرة إلى شجرة .. عله يراها .. كان يسترق السمع خلسة لأي حوار بين أي متحادثين .. وأخيرا .. التقاها صدفة .. وجها لوجه ..

كانت ترتدي ثوبا أسود .. وعلى وجهها ملامح حزن عميق.

ظل .. للحظات .. ضحية صراع داخلي مرير .. ولكنه أخيرا اقترب منها ..

- مرحبا

التفتت نحوه .. هل فوجئَتْ؟ ..

وبعد صمت:

- أهلا سيدي.

لم تكن ”سيدي“ هي الكلمة التي اعتادت أن تخاطبه بها .. ولكن .. ليكن .. فأن تخاطبه بـ ”سيدي“ خير من أن لا تكلمه أبدا ..

- كيف حالك؟

- كما ترى

- أرى حزنا عميقا

- هو كذلك

- ماذا حدث؟

سكتت طويلا .. وبعد زمن ظنه دهورا ..

- حكاية طويلة

- كلي آذان صاغية

- ربما .. في وقت آخر .. ربما

ثم أردفت:

- عن إذنك .. يجب أن أذهب الآن .. أنا مشغولة جدا

- متى سنلتقي؟

- اتركها للظروف

- طيب .. سأنتظر

لم تَرُدّ .. ابتسمت .. تلك الابتسامة المحيرة .. واختفت من جديد ..

* * * * * * *

واظب على التردد إلى نفس المكان .. كانت إذا ما رد عليها السلام ترد مرة وتتجاهل مرات ..

- لماذا؟

- اعذرني .. يا سيدي .. فأنا مشغولة جدا

قال بامتعاض:

- سيدي .. سيدي .. سيدي .. أرجوك .. لا تخاطبيني بـ ”سيدي“ .. لست سيد أحد

- وبماذا أخاطبك؟

- خاطبيني بإسمي

- لماذا؟

- تعلمين أنني لا أحب هذه الكلمة .. ثم .. إن لهذه الكلمة معنى .. معنى لا أحبه ..

- ما هو؟

سكت .. تردد .. ولكنه استأنف بمرارة:

- معناها .. أن .. أن ..

- أنّ ماذا؟

انسحبت منه كل جرأته .. فسكت

* * * * * * *

فيما بعد .. كان إذا ما التقاها .. على هذه الشجرة أو تلك .. ينظر إليها .. تنظر إليه .. تصمت فيصمت .. وتختفي من جديد