2014/02/17

لا شيء وكل شيء

طرقات خفيفة على باب غرفتي ..

- إدخل!

كانت ديانا .. دخلت .. ووقفت بين درفة الباب والإطار ..

- فوتي بابا .. اقعدي

- لأ .. بس .. بدي .. يعني .. أسأل

سكرت شباببك الدردشة الكثيرة مع نسوانات الفايسبوك .. واصطنعت الوقار ..

- اسألي بابا

- مممممم .. هوه يعني بس .. بدي أسأل .. بقدر أرفع معدلي؟

- طبعا يا بابا بتقدري

- جد؟ كيف؟

- تعالي اورجيكي

فتحت صفحة أكسل .. وضعت فيها علامات الفصل الأول .. والعلامات التي تستطيع أن تحصل عليها في الفصل الثاني .. جمعت وطرحت وقسمت وضربت .. ثم قلت لها مبتسما:

- وهيك .. بتقدري ترفعي معدلك ل 94

انبسطت ديانا

- طيب بابا .. كيف ممكن ادرس عشان أرفع معدلي؟

آخ يا بابا لو تدرين .. لقد أصابني سؤالك في الصميم ..

تذكرت تجربتي أنا في التوجيهي .. عندما كان التوجيهي توجيهي .. عندما كان بيتنا .. غرفة نوم، وغرفة ضيوف، وحوش صغير فيه مطبخ خارجي وحمام خارجي .. كنت أخرج مع شروق الشمس وكتابي في يدي .. أمشي في الوديان الفارغة إلا مني ومن بعض قطعان الغنم يقودها راع ويتبعها أو يدور حولها كلب القطيع ..

كنت أخرج لا محبة في الطبيعة .. ولكن لأن الدراسة في البيت كانت مستحيلة طوال النهار .. أما في الليل .. فكان البيت يهدأ قليلا بعد أن ينام أهله .. في ذلك الليل كنت أقسم الوقت قسمين: قسم أرتاح فيه من مشي النهار .. وقسم أدرس فيه المواد التي لا يمكن دراستها ماشيا في الوديان وبين الحقول ..

لم أقل لديانا كل ذلك .. ولم أقل لها إنني كنت أدرس قبل ذلك بسنوات على ضوء بابور الكاز الذي كنت أضعه أمامي على الطاولة .. وأضع الكتاب بيني وبينه ليضيء لهبه صفحات الكتاب .. ولم أقل لها إنني كنت أشتغل في الصيف وأيام العطل ونهايات الأسبوع لكي أجمع ما يكفي من النقود لشراء مستلزمات المدرسة وتأمين مواصلاتي ذهابا وإيابا من بيتنا في عمان إلى مدرستي في صويلح .. ولم أقل لها إنني برغم تلك الظروف كنت من أوائل المحافظة .. وإنني .. ربما .. لولا تلك الظروف .. لكنت من أوائل المملكة .. لم أقل لها أي شيء من ذلك .. لئلا تسألني السؤال الوحيد المنطقي بعد كل هذا الكلام: فلماذا يا أبي لم تصبح شيئا .. وصار من لم يكن مثلك كل شيء؟