منذ أن هجرته قبل سنوات .. وهو يبحث عن أي طرف خيط يقوده إليها .. كان يتتقل من شجرة إلى شجرة .. عله يراها .. كان يسترق السمع خلسة لأي حوار بين أي متحادثين .. وأخيرا .. التقاها صدفة .. وجها لوجه ..
كانت ترتدي ثوبا أسود .. وعلى وجهها ملامح حزن عميق.
ظل .. للحظات .. ضحية صراع داخلي مرير .. ولكنه أخيرا اقترب منها ..
- مرحبا
التفتت نحوه .. هل فوجئَتْ؟ ..
وبعد صمت:
- أهلا سيدي.
لم تكن ”سيدي“ هي الكلمة التي اعتادت أن تخاطبه بها .. ولكن .. ليكن .. فأن تخاطبه بـ ”سيدي“ خير من أن لا تكلمه أبدا ..
- كيف حالك؟
- كما ترى
- أرى حزنا عميقا
- هو كذلك
- ماذا حدث؟
سكتت طويلا .. وبعد زمن ظنه دهورا ..
- حكاية طويلة
- كلي آذان صاغية
- ربما .. في وقت آخر .. ربما
ثم أردفت:
- عن إذنك .. يجب أن أذهب الآن .. أنا مشغولة جدا
- متى سنلتقي؟
- اتركها للظروف
- طيب .. سأنتظر
لم تَرُدّ .. ابتسمت .. تلك الابتسامة المحيرة .. واختفت من جديد ..
* * * * * * *
واظب على التردد إلى نفس المكان .. كانت إذا ما رد عليها السلام ترد مرة وتتجاهل مرات ..
- لماذا؟
- اعذرني .. يا سيدي .. فأنا مشغولة جدا
قال بامتعاض:
- سيدي .. سيدي .. سيدي .. أرجوك .. لا تخاطبيني بـ ”سيدي“ .. لست سيد أحد
- وبماذا أخاطبك؟
- خاطبيني بإسمي
- لماذا؟
- تعلمين أنني لا أحب هذه الكلمة .. ثم .. إن لهذه الكلمة معنى .. معنى لا أحبه ..
- ما هو؟
سكت .. تردد .. ولكنه استأنف بمرارة:
- معناها .. أن .. أن ..
- أنّ ماذا؟
انسحبت منه كل جرأته .. فسكت
* * * * * * *
فيما بعد .. كان إذا ما التقاها .. على هذه الشجرة أو تلك .. ينظر إليها .. تنظر إليه .. تصمت فيصمت .. وتختفي من جديد