2014/02/15

عيال الشيخ عواد

كنت في سيارتي، متجها إلى المدينة، في رحلتي اليومية إلى عملي، عندما أوقفني بعض الشباب المتجمعين على دوار القرية ..

- أستاذ صباح الخير

- صباح النور يا إبني

- أستاذ الطريق مسكرة .. شوفلك طريق ثانية

- خير؟ شو في؟

كان الشباب عصبيين ومتوترين .. من الواضح أن ثمة أمرا جللاً .. ولكن ما هو؟

- عيال الشيخ عواد .. أستاذ

- مالهم؟

- مسكرين الطريق أستاذ

- طب ليش يا إبني؟

سكت الشاب .. في حين قهقه أحد رفاقه قائلاً:

- الأفندي من عيال الشيخ عواد كمان .. ثم وجه خطابه لي:

- اقلب وجهك وارجع من مطرح ما جيت .. أحسنلك

ثم أضاف بحقد غريب:

- أحسنلك يا .. أستاااااااااذ

استدرت وعدت أدراجي من الطريق الذي جئت منه باحثا عن طريق آخر يوصلني إلى الشارع الرئيسي ..

* * * * * * *

وأخيرا وصلت مكان عملي .. دخلت مكتبي .. فتحت جهاز الكمبيوتر .. وصرت اتنقل بين المواقع الإخبارية الإلكترونية لعلي أجد فيها خبرا عما جرى في القرية .. عندما رن هاتفي ..

- أستاذ محمد؟

- نعم أنا محمد .. مين حضرتك؟

- أنا الدكتور عصام من مستشفى الشفاء

خفق قلبي بشدة وخرج صوتي كالفحيح

- خير دكتور شو في؟

- تعال بسرعة .. بنتك هون وبدها دم ع السريع

- شو في دكتور؟ مالها بنتي؟

- ما في وقت أستاذ .. لما بتيجي بتفهم كلشي .. بس حاول دبر متبرعين .. بنتك بحاجة لخمس وحدات دم ..

تركت جهاز الكمبيوتر مفتوحا وهرولت إلى الباب الرئيسي .. اعترضني موظف السكيوريتي ..

- وين أستاذ محمد؟

- ع المستشفى

- خير شو في؟

- والله ما بعرف ..

- طيب معك تصريح خروج؟

آه .. تذكرت .. كان يجب أن أكتب تصريح خروج

- لا والله ..

ثم استدرت لموظف الإستعلامات ..

- اطلبلي الأستاذ أيمن ع السريع

طلبه وأعطاني سماعة الهاتف

- أستاذ أيمن أنا مضطر أغادر بسرعة ونسيت موضوع تصريح الخروج

- خير شو في؟

- اتصلوا فيي من المستشفى بنتي هناك وبدهم إياني أروح ع السريع

- طيب روح وطمنا شو بيصير معك .. هسه التصريح بيكون عند موظف الاستعلامات .. إعطيني إياه

- أستاذ تذكرت .. قالولي بنتي بدها خمس وحدات دم

- روح وما عليك .. اعتبرهم تأمنوا

* * * * * * *

لا أعرف كيف وصلت المستشفى ولا أي طريق سلكت ولا المدة التي استغرقتني للوصول .. اتجهت لموظف الاستقبال في المستشفى مندفعا كالصاروخ ..

- أنا محمد العواد .. إتصل معي دكتور من عندكم .. الدكتور عصام

- بنتك اسمها عايدة محمد؟

- أيوه عايدة محمد العواد

نظر إلي نظرة غريبة .. ثمة أمر جلل يعرفه ولا يريد قوله ..

- طمنوني مالها بنتي؟

- استريح .. هسه بنطلبلك الدكتور عصام

لم أجلس حيث طلب مني الجلوس .. ظللت على أعصابي أذرع القاعة جيئة وذهابا أنتظر قدوم الدكتور

وأخيرا اقترب مني شاب طويل في الأربعينيات من العمر .. مد يده مصافحا ..

- أستاذ محمد؟

- نعم أنا محمد العواد .. طمني شو مالها بنتي؟

- أستاذ محمد .. إنت أكيد شخص مؤمن .. وأكيد بتعرف أنه الموت ..

قاطعته

- بس انت قلتلتي بنتي بدها خمس وحدات دم؟

- صحيح .. لما اتصلت فيك كانت .. لسه .. ما ماتت ..

لم أسمع شيئا مما قاله بعد ذلك .. لعله لم يقل شيئا .. لعله قال شيئا ولم أسمعه ..

عندما استفقت .. وجدت نفسي على سرير في غرفة نصف مضاءة .. نظرت من الشباك .. ظلام دامس .. أين أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وفجأة تذكرت المكالمة .. والطبيب .. وعايدة

حاولت النهوض من سريري فلم أستطع .. فصرخت ..

- عاااااااااااايدااااااااااااااة

تجمهر حولي عدد من الأشخاص .. ميزت بينهم الدكتور عصام ..

- أستاذ محمد .. إهدا أرجوك .. هسه بنعطيك إبرة وبتصير منيح ..

* * * * * * *

لا أدري كم مكثت في تلك الحالة .. أستفيق .. فيعيدونني إلى النوم بإبرة .. وبين الإستفاقة والإبرة المنومة تلتقط أذناي بعض التفاصيل ..

- مسكين .. لو يعرف شو اللي صار بالضبط شو راح يصير فيه؟

- الله لا يرده .. هظول عيال الشيخ عواد بدهم حرق أصلاً

- قال الشيخ عواد قال .. يا زلمة قول الشيخ قواد مش عواد!

أحيانا كنت أسمع صوت امرأة ..

- لو سمحت احترم نفسك ..

- وإذا ما احترمت نفسي؟ شو بدك تعملي يا محترمة؟

ثم أسمع أصوات احتجاج من المرأة .. وقهقهات رجل .. وبكاء .. ودعوات

- حسبي الله ونعم الوكيل فيكم بس .. حسبي الله ونعم الوكيل

وأحيانا كنت أسمع صوت الدكتور عصام موبخا ..

- رجاء لو سمحتوا إطلعوا برة .. كلكم .. إطلعوا برة ..

فأسمع صوتا يقول بنبرة استهزاء وتهديد:

- دكتور .. انت كمان من عيال الشيخ عواد؟

* * * * * * *

بعد أيام خرجت من المستشفى .. وقعت على أوراق كثيرة طلبوا مني التوقيع عليها .. ودعني الدكتور عصام على الباب الخارجي للمستشفى وهو يوصيني بعدم الانفعال والهدوء التام ..

- شو بالنسبة لعايدة دكتور؟

- عايدة الله يرحمها .. كان حادث سير عادي .. ضربت سيارتها بعامود وكان قضاء الله وقدره

- بس دكتور بيقولوا ..

- أستاذ محمد هاي الأوراق الرسمية كلها بين إيديك .. إنسى اللي بيقولوه أرجوك

* * * * * * *

عندما أوصلوني إلى القرية .. أصررت على الذهاب إلى المقبرة لأزور قبر عايدة أولاً .. وهناك كان قبرها .. قريبا من قبر الشيخ عواد .. كان شاهد قبرها مكسورا .. أما قبر الشيخ عواد فكان منبوشا ومحترقا وعلى اللون الأسود الناتج عن الحريق كتب بلون أبيض وبخط كبير وقبيح: الشيخ قواد