2014/07/06

سلعده

في رمضانات خلت، كانت مائدة الإفطار (منوّرة) بأمي الثانية .. نجلس جميعاً على المائدة .. وبمجرد أن يرتفع صوت المؤذن في التلفزيون الأردني، أو في المسجد المجاور، حتى نبتدئ الهجوم على ما تيسر .. أما عمتي، أمي الثانية فكانت تصر إلحاحاً (أو تلح إصراراً) على صلاة المغرب قبل أن تلتحق بالكتيبة المهاجمة .. ولربما كان بعضنا قد (افرنقع) قبل التحاقها ..

وعلى سيرة التلفزيون الأردني .. أعتقد أنه فقد بانتقال حماتي إلى الرفيق الأعلى مشاهده الوحيد .. فلا أظن أن غيرها كان لديه ما عندها من ولاء ومتابعة للتلفزيون الأردني بكل برامجه .. فقد كانت تعرف كل مذيعي ومذيعات الأخبار، ومقدمي ومقدمات البرامج، واحداً واحداً، وواحدة واحدة .. وكان جهاز التلفزيون في بيتنا لا يتزحزح عن الفضائية الأردنية طالما هي في بيتنا .. اللهم إلا عندما تتمرد زوجتي بانقلاب أبيض (مؤقت طبعاً) لمشاهدة مسلسل ما على قناة أخرى ..

المهم .. كان مكان حماتي على مائدة الإفطار دائما إلى جانبي .. على يساري أنا تحديداً .. فحماتي تحبني، وأنا أحبها، وكلانا يتشارك حب نفس الأشياء .. الملح .. والبصل بأنواعه (وخصوصاُ البصل الأخضر) .. وكل ما اخضر لونه وطاب مذاقه من أعشاب المائدة كالجرجير مثلاً ..

وعلى سيرة الملح .. كنا (هي وأنا فقط) نتشارك صحن الملح .. لذلك كانت تقول دائماً: أنا ومحمد بنقرب لبعض .. من دار الملّاح .. عندما قالتها لي في المرة الأولى لم نستوعب تلك الحقيقة ..

قالت زوجتي:

- بس يمّا .. أنتي مش من دار الملّاح!

- امبلى .. أنا من دار الملّاح .. ومحمد من دار الملّاح .. وإنتو (عن مرتي وأولادي) ما بتقربولنا ..

كان الملح هو القرابة التي جعلتني وعمتي من عائلة واحدة .. دار الملاح ..

وكنا، عمتي وأنا نتشارك في نظرتنا لرمضان .. في البداية سمعتني أقول عن رمضان (فراقه عيد) .. فاحتجت ..

- ولك! كيف بتقول فراقه عيد؟

- يا عمتي .. مش بعد رمضان بيجي عيد؟

- آه

- شفتي؟ فراقه عيد ولّا لأ؟

اقتنعت عمتي ..

- آه والله مزبوط .. فراقه عيد

وهكذا كسبت عمتي إلى صفي .. وصارت تردد معي دائما: فراقه عيد ..

كانت تحب دائما أن تحكي .. وكنت أحب أن أسمع حكاياتها .. كانت تبدأ في أي موضوع وتنتقل بسلاسة منه إلى آلاف المواضيع الأخرى .. وأنا أسمع .. وأستمتع .. وأبتسم .. وكان أي موضوع لا بد أن يتحول بطريقة ما إلى احدى حكايات أولادها .. لم أر أبداً حب أم لأولادها كحب عمتي لأولادها .. فإذا كان الحديث عن (عناية) لا بد أن تتبع اسمها بـ (الله يخلي جوزها) .. عناية (الله يخلي جوزها) قالت كذا .. عايدة (الله يخلي جوزها) عملت كذا .. انتصار (الله يخلي جوزها) سوّت كذا .. أما إذا كان الحديث عن أحد أولادها، فلا بد أن تسبق إسمه بكلمة (سَلِعْدَا) .. (سَلِعْدَا) باسم (الله يرضى عليه) قال .. (سَلِعْدَا) مأمون .. (سَلِعْدَا) معتصم .. (سَلِعْدَا) محمد .. (سَلِعْدَا) إبتسام ..

عندما سمعت تلك الكلمة (بنجت):

- عمتي .. شو يعني (سَلِعْدَا)؟

- (سَلِعْدَا)؟ (سَلِعْدَا) يعني: السوّ ع العدا ..