2014/08/09

سجائر السماء

تعتقد زوجتي أنني قادر على تحويل أي موقف، أو حوار، إلى قصة .. ويحدث أن يجري أمامي حوار ما .. فتنظر إلي زوجتي وتقول لي: محمممممممماااااااااد؟ شوووو؟ دنننننننننغ؟ .. هذا الاعتقاد بنته بعد عدة نصوص كتبتها وقرأتها لها تتضمن موقفاً ما، أو حواراً ما، كنت طرفاً فيه أو شهدته ..

وهذا الاعتقاد، على أية حال، سلاح ذو حدين. فمن جهة، صارت تحضني وتحثني على كتابة نصوص حول مواقف أو أحداث معينة: محمد. اكتب عن التوجيهي وضرورة تنزيل معدلات القبول .. محمد. اكتب عن السيارات اللي بتظلها طول الليل صارعتنا والشباب اللي لا بيناموا ولا بيخلونا ننام .. محمد .. اكتب عن السوريين اللي عبوا البلد واخذوا كل فرص العمل وما خلوا لإبن البلد شغلة يشتغلها .. محمد ..

ومن جهة إخرى، صارت تخاف مني، وتحذر الآخرين مني .. ديروا بالكو هسه محمد راح يفضحكو ع الانترنت .. إسكت إسكت والله هسه قصتك راح كل الناس يقروها وتصير فضيحة بجلاجل .. وكأن كل مشتركي الانترنت ما عندهم لا شغلة ولا عملة إلا الجلوس وأيديهم على خدودهم بانتظار محمد ونصوص محمد!

وهذا ما حدث ذات سهرة، ليلة العيد أو الليلة التي تلتها، فما أن أفطرنا وتمغطنا حتى مددت يدي إلى باكيت الدخان، طلت سيجارة، أشعلتها، وبدأت أمج منها وأنفخ دخانها في الهواء ..

نظر إلي أبو عادل:

- شووووو؟ راجع اتدخن؟

- آه والله

- طب ليش يا زلمة؟ إنت مش تركته؟

- تركته .. ورجعتله

- ليش؟

- تياسة .. بعيد عنك!

ولأن الكلام بيجر الكلام .. بدأ أبو عادل يحكي حكايته مع السيجارة، أيام المراهقة والشباب ..

قاطعته زوجتي:

- دير بالك هسه محمد راح يكتبها ع الانترنت زي ما كتب قصة إم العبد ..

إم العبد هي رنا .. بنت أبو عادل .. التي كانت طفلة ذات اربع سنوات عندما سحبنا عليها جميعاً الصغير والكبير والوسط فيلماً .. وكنت قد كتبت قصة ذلك الفيلم وسارت بها الركبان في الجبال والوديان حتى وصلت ديار بني أبي عادل في الكويت في نفس الليلة التي كتبتها فيها أو في صباح اليوم التالي على أبعد تقدير ..

وعلى أية حال، يبدو أن أبا عادل لم ير مشكلة في أن تصير حكايته مع السيجارة قصة يتداولها الفيسبوكيون، فهو ليس له أكاونت على الفيسبوك أصلاً .. وطالما أن الفيسبوكيين لا يعرفونه فلم لا؟

استمر أبو عادل متجاهلاً تحذيرات زوجتي:

”كنت أسرق من كروز الدخان اللي بيشتريه أبوي .. في البداية كنت أسرق سيجارة .. فما ينتبه .. ثم سيجارتين .. ثم ثلاثة .. ولما اتولعت بالدخان أكثر صرت أسرق باكيت من الكروز .. بس مش من طرف الكروز .. من نصه .. وبعدين أشتري باكيت ثاني أحطه مطرحه“

”المهم .. كنا ساكنين أيامها في حوش .. يعني غرف من هون وغرف من هون وبينهم ساحة مكشوفة .. وكان في حاجز بين الغرف اللي هون والغرف اللي هون .. حاجز خشبي .. وكان فيه باب بنص الحاجز .. وكنت عامل خزق زغير في الحاجز عشان اشوف أبوي وضيوفه من الخزق.“

”كنت واقف أدخن وأتطلع من الخزق عشان أول ما أحس بأبوي بده ييجي أطفي السيجارة وأخفيها ..

مش عارف شو صار يومها .. تفاجأت بأبوي بيقوم من مطرحه وبيمشي باتجاه الباب اللي في الحاجز .. تكركبت وما عرفت شو بدي أسوي بالسيجارة .. أول ما خطرلي في لحظتها إني أرمي السيجارة وهي مولعة على سطوح الغرفة اللي من جهة أبوي والضيوف .. وفعلاً رميتها .. لكن .. الهواء رجعها .. وما شفتها إلا واقعة ع الأرض قدام ابوي بالزبط“

”أبوي بنج .. شو هالسيجارة هاي اللي نازلة من السما؟ .. وشكله شك أنه في حدا ع سطوح الغرف .. لأنه طلع ع السطوح .. ما شاف حدا .. أنا كنت في هالوقت راكض ع الفراش وعامل حالي في سابع نومة .. أبوي فتح الباب .. اتطلع علينا .. كلنا نايمين وبنشخور“

قالت زوجتي: خلص .. اعتبر قصتك صارت عالانترنت

ضحك أبو عادل: عنجد راح تكتبها؟

- إبشر أبو نسب .. ولو .. كلها كام يوم وبتقراها على المدونة

- وشو راح تعمل عنوانها؟

صفنت شوي .. ثم قلت:

- سجائر السماء