2014/08/21

إبراهيم والجن

حدث ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاماً .. كان محمد شقيق زوجتي، حينها، ما يزال طالباً في جامعة اليرموك .. وكان في تلك الأيام يسكن وحده في بيت يملكه أخوه، الذي كان يعمل ويقيم في الكويت.

كان البيت مكوناً من طابق واحد، به عدة غرف، وتسوية صغيرة تتكون من غرفتين صغيرتين ومطبخ وحمام .. في البداية كان يسكن إحدى غرفتي التسوية ولكنه كان عاشقاً للمطالعة وشراء الكتب، فلما ضاقت الغرفة به وبالكتب تركها ليسكن في إحدى غرف الطابق العلوي، فتحولت غرفته السابقة إلى (مكتبة) .. لكنها في الحقيقة لم تكن مكتبة بالمعنى (الحضاري) للكلمة .. بل أكداساً من الكتب على السرير وأكداساً من الكتب على طاولة المكتب، وأكداساً من الكتب على الكرسي القديم، وأكداساً أخرى تناثرت على الأرض هنا وهناك ..

في تلك الليلة كان إبراهيم، إبن عمه، ضيفاً عنده. وفي السهرة، انتقل الحديث من موضوع إلى موضوع، ومن بين تلك المواضيع، الجن .. والسحر .. والأشباح .. والقطط السوداء التي تتلبسها أرواح الشياطين .. و .. و ..

كان محمد قد قرأ عدة كتب في هذا الموضوع، فاستطاع، بشكل أو بآخر، أن يقنع ابن عمه بأنها موجودة .. بل هي معنا أينما نكون .. وأنها ترانا ولا نراها .. وأن بعضها طيب وأكثرها شرير .. وأن الشرير، منها، يستطيع، إذا ما أراد، أن يفعل بنا ما يحيل حياتنا من النقيض إلى النقيض ..

- يا زلمة .. عن جد بتحكي؟

- آه والله .. حتى إذا بدك بفرجيك الكتب اللي عندي عن الموضوع.

- زي شو؟

- كتاب (كذا) ..

- مين المؤلف؟

- فلان الفلاني

- روح جيبه

- لااااااااااااااا .. بخاف .. اذا بدك روح جيبه انتي

- يا زلمة هاظ عن جد انتي خويف .. انا بروح بجيبه

وصف له محمد الطريق التي عليه أن يسلكها لغرفة المكتبة في طابق التسوية ..

- بتطلع من باب الطابق الأول .. بتنزل الدرج .. وبتمشي في العتمة .. وبتلف وبتفتح باب الحديد تبع التسوية .. بعدين بتفتح باب الغرفة .. بعدين .. فيه على يمين الباب مفتاح كهرباء .. بتكبس عليه ..بتجيب الكتاب وبتيجي

أخذ إبراهيم مصباحاً يدوياً ونزل ..

في تلك الأثناء خرج محمد من باب الطابق الأول .. نزل الدرج .. ومشى في العتمة .. ولف من جهة (الحاكورة) .. كان باب الحديد (تبع التسوية) مفتوحاً .. وكذلك باب الغرفة .. وكان إبراهيم ينحني على إحدى أكداس الكتب باحثاً عن الكتاب .. أطلق محمد صوتاً ما .. صوتاً لم يسمع إبراهيم مثله من قبل .. صوتاً ذكره في عدة أجزاء من الثانية بالجن .. والسحر .. والأشباح .. والقطط السوداء التي تتلبسها أرواح الشياطين .. و .. و .. استدار ليجد شبحاً يقهقه في ما يشبه الظلام ..

كان إبراهيم يرتجف .. وكان المصباح اليدوي في يده يرتجف .. وكان الكتاب في يده الأخرى يرتجف ..

- بسماللاااااااااااه الرحمن الرحيم .. بسماللاه الرحمن الرحيييييييييييم .. عذبالله من الشششششيطان الرجيم ..عذبللا من الشيطاااااااان الررررررجيييييييييييييييم ..

التقينا بعدها، لأول مرة، بعد ثلاثين سنة .. التقينا في عرس .. صافحته وعانقته .. كان يقول: محمد؟ من زمان ما شفتك يا إبن عمي! ثلاثين سنة .. ياااااااااااااه!

أدركت أنه يظنني محمد، إبن عمه

- على فكرة .. أنا صحيح محمد .. بس أنا مش محمد إبن عمك .. محمد إبن عمك هسه بييجي .. وعلى فكرة من أسبوع كنا بسيرتك ..

- بسيرتي أنا؟

في تلك اللحظة وصل محمد ..

صافحه وعانقه .. وكان إبراهيم يقول: محمد؟ من زمان ما شفتك يا إبن عمي! ثلاثين سنة .. ياااااااااااااه!