2014/09/18

نافذة وستائر

وأخيراً وضع اللمسات الأخيرة .. ألقى نظرة متباهية على ما صنعته يداه .. ”كم أنت رائعة .. إنك في غاية الجمال يا حبيبتي“ .. احتضنها .. وضع شفتها السفلى بين شفتيه وأغمض عينيه .. ”لا تذهبي إلى أي مكان .. دقائق قليلة .. أغتسل وأعود إليك!“ .. واتجه إلى الحمام.

لم يكن التمثال الأول الذي يصنعه، ولكنه كان مختلفاً تماماً عن كل التماثيل الأخرى التي صنعها .. وضع فيها كل خبرته .. وكل مشاعره .. لقد بقي لشهور لا يغادر غرفتها إلا ليعود إليها أكثر شوقاً .. يحدثها .. يقص عليها حكايات طفولته ومراهقته وشبابه .. يبتسم .. ويضحك .. ويبكي .. ويناقشها .. ”ما رأيك بهذه التسريحة لشعرك؟ أليست جميلة؟“ .. ”هذا الفستان سيكون أجمل .. سيخفي عن أعين الناس كنوزك .. كنوزي .. هكذا أفضل .. لا ينبغي أن يراها كل عابر طريق“ .. ”لا تخافي .. إخفاؤها سيجعلها أكثر حضوراً .. سيحسون بها ولكنني لن أدعهم يرونها .. صدقيني إنهم لا يستحقونها .. ثم إنهم سينظرون إليها قليلاً ثم يذهبون لتخيلها في أجساد نسائهم .. أنا فقط من سيبقى يؤنس عتمة لياليك“.

عندما عاد إلى غرفتها لم يجدها .. كانت النافذة مفتوحة .. والستائر تتراقص في الظلام.

* * * * * * *

لماذا احتضنتني وقبلتني؟ ألم تدرك أن تلك القبلة حولتني من صخرة صماء إلى امرأة؟ امرأة حقيقية تحس كما تحس كل النساء؟ وتتمنى كما تتمنى كل النساء؟ عندما وضعت شفتي السفلى بين شفتيك وأغمضت عينيك لم أستطع إلا أن أغمض عينيّ. لم أستطع إلا أن أستحيل فراشة تبحث عن لهب سراج .. فحملتني أول نسمة هبت عليّ في غيابك ..فعدت ولم تجدني .. تركت لك نافذة مفتوحة .. وستائر تتراقص في الظلام ..

* * * * * * *

بحث عنها في كل مكان .. على مقاعد الحدائق العامة .. في نوافذ الحافلات .. بين النساء الخارجات من المساجد بعد صلوات التراويح .. في الطاولات المنزوية في زوايا الملاهي الغارقة في رائحة الخمور والإنارة الخافتة .. في ملامح قمر ظهر لدقائق معدودات بين سحابتين تعدو إحداهما وراء الأخرى ..

خرج ولم يعد .. وبقيت النافذة مفتوحة .. والستائر تتراقص في الظلام.

* * * * * * *

كلا سيّدي .. لم نجد معه أية أوراق تدل على هويته. نعم سيّدي .. نشرنا صورته في الجرائد لمدة ثلاثة أيام ولم يتعرف عليه أحد. حاضر سيّدي .. تمام سيّدي. علم سيّدي ..

وبقيت النافذة مفتوحة .. والستائر تتراقص في الظلام.