كنت أجر قدمي جراً، عائداً إلى البيت، بعد يوم عمل شاق .. وقفت على رأس ممر المشاة أتهيأ لعبور الشارع عندما انشقت الأرض فجأة عن أربعة رجال بلحى طويلة وشوارب محفوفة، يرتدون دشاديش بيضاء قصيرة وأغطية رأس ستايل أفغاني ..
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام!
مد أحدهم لي يده مصافحاً فمددت يدي، فالثاني، فالثالث، فالرابع .. لا بد أن الرابع أكبرهم لأن الشيب في لحيته كان أكثر منه في لحى رفاقه رغم أنه قد صبغه بلون بين الأصفر والأحمر .. لم يفلت بعد المصافحة يدي بل احتفظ بها بين يديه ..
- أخي الكريم .. ندعوك - بارك الله فيك - لحضور درس ديني في المسجد بعد صلاة العصر
نظرت مرة أخرى في وجوههم ..
- درس ديني؟ لمين؟
- إخوة في الله
- طب عن شو؟ قصدي شو موضوع الدرس؟
- يذكر بعضنا بعضاً بما فيه خير الإسلام والمسلمين إن شاء الله
- آآآه .. يا ريت والله بس أنا ..
قاطعني أصغرهم سناً:
- إنت مش فلان؟
- آه أنا .. مين حضرتك؟
- يا زلمة معقول صرت ناسيني؟
دققت في ملامح الرجل .. أعرفه ولا أعرفه ..
- يا زلمة أنا فلان!
آه .. تذكرت .. كان زميلي .. لم نكن في نفس الصف .. كان أكبر مني .. وسمعت أنه كان ممن ذهبوا لل(جهاد) في أفغانستان ..
وجه كلامه لكبيرهم: شيخنا هاظ فلان .. كان زميلي بالمدرسة .. ابوه فلان الفلاني بتتذكره؟
جمدت ملامح الرجل .. كان من الواضح أنه يعرف أبي، رحمه الله، وكان من الواضح أنهما لم يكونا على علاقة طيبة جداً .. ولكنه ابتسم وهز يدي .. وقال كما لو أنني بعير أضاعه ثم وجده بعد يأس وعناء:
- بالله؟ ما شاء الله ما شاء الله. وين بتشتغل؟
- في بنك
أجفل وترك يدي تفلت من يديه كما لو كانت رأس أفعى .. ولكنه استمر:
- ما شاء الله ما شاء الله
كان يقولها بنبرة لها معنى واحد: ”أعوذ بالله من الشيطان الرجيم“ .. أكد هذا المعنى عندما قال وهو يهز رأسه:
- بس أبوك كان راجل فاضل .. سبحان الله!
ثم أضاف:
- طالما أبوك فلان معناتو أكيد لازم نشوفك اليوم في الدرس بعد الصلاة!
- يا ريت .. بس عندي مشوار ضروري اليوم .. خليها فرصة ثانية
لم يكن عندي مشوار .. لا ضروري ولا مش ضروري .. ويبدو أنه أحس أنني أكذب ..
في تلك اللحظة، مر بالجوار رجل آخر .. فتعربشوه وتركوني ..
قبل أذان المغرب بنصف ساعة رن جرس الباب .. فتحته .. كان هناك أربعة رجال بلحى طويلة وشوارب محفوفة، يرتدون دشاديش بيضاء قصيرة وأغطية رأس ستايل أفغاني ..
- أخي الكريم .. ندعوك - بارك الله فيك - لحضور درس ديني في المسجد بعد صلاة المغرب!