خرج جميع الحضور من القاعة ما عداها .. تلكأت .. وتقدمت منه باستحياء .. كان يلملم أوراقه المتناثرة على المنضدة ..
- كلماتك جميلة، أستاذ!
نظر إليها .. ”طفلة في عمر ابنتي .. أو لعلها أكبر قليلاً“
- شكراً يا بنتي ..
اغرورقت عيناها ..
- الله! من زمان ما سمعت هالكلمة، أستاذ
رق لها قلبه ..
- تسمحلي أرافقك لسيارتك؟
ضحك .. وأشار بيده إلى حذائه:
- هاي سيارتي
ابتسمت ..
- وين ساكن، أستاذ؟
- في (..)
- ممتاز .. في طريقي .. تسمحلي أوصلك؟
سار معها إلى المكان الذي ركنت فيه سيارتها .. أخذت مكانها في مقعد القيادة وفتحت له باب السيارة ..
* * * * * * *
- هون لو سمحتي .. شكراً يا بنتي!
أوقفت السيارة أمام مدخل العمارة .. مد يده إليها مصافحاً .. استبقت كفه في كفها ورفعت إليه عينين تترقرق فيهما دمعتان ..
- تسمحلي أقولك بابا؟
اجتاحته موجة حنان، فقال:
- بكل سرور
* * * * * * *
كان يتهيأ للنوم عندما رن هاتفه ..
- أزعجتك؟
- لا بالعكس ..
- كويس .. ما كانش ممكن أنام قبل ما أسمع صوتك ..
تحدثت طويلاً .. تحدثت بعفوية وتلقائية كأنما تعرفه منذ كانت في المهد .. تحدثت كثيراً وبكت كثيراً وضحكت كثيراً .. وعندما أحست بالجوع اصطحبته معها إلى المطبخ مواصلة الحديث عن لا شيء وعن كل شيء .. انقطعت المكالمة فجأة فأحس بالقلق .. فكر أن يتصل بها ليسألها عن السبب إلا أنه عدل عن ذلك في اللحظة الأخيرة .. غلبه النعاس فنام
* * * * * * *
أخرجت من حقيبتها تفاحة وسكيناً .. قسمت التفاحة إلى نصفين وقدمت له واحداً .. مد يده ليأخذه ولكنها هزت رأسها:
- هئه
قربت نصف التفاحة من شفتيه وكأنها تأمره فامتثل .. قضم منه قضمة واحدة .. قضمت من النصف الآخر قضمة صغيرة وناولته إياه .. أخذت مغمضة العينين تتهجى بشفتيها حروف فمه التي انطبعت على النصف الذي أكل منه ..
* * * * * * *
استيقظ على رنين هاتفه .. كانت الشمس تتوسط إطار النافذة ..
- صباحووو يا أحلى أب في العالم!
إذاً فقد كان مشهد التفاحة حلما؟ .. أحس بخجل شديد وشكر الله أنها لا تستطيع من مكانها رؤية ملامحه في تلك اللحظات ..
- قلقت عليكي يا بنتي لما انقطع الخط وكنت بدي أرن عليكي .. خير شو صار؟
ضحكت ببراءة ..
- خلص الرصيد
* * * * * * *
تكررت اللقاءات والمهاتفات .. أخذته بسيارتها إلى أماكن كان يسمع بها ولم يرها قط .. وعندما يخلو المكان إلا منهما كانت تغني وترقص وتضحك ..
* * * * * * *
خلعت حذاءها ..
- بابا!
- عيون بابا!
- تسابق؟
- يللا!
ولكنها سبقته ..
ارتمى لاهثاً على الأرض تحت شجرة صفصاف باسقة وأسند ظهره إلى جذعها .. فارتمت إلى جانبه متضاحكة ..
- يا عجووووووز!
أسندت رأسها على صدره فاحتضنها .. وبحنان بالغ سوى خصلات شعرها المتناثرة فلثمت راحته ..
* * * * * * *
- بابا!
- عيوني
- سأتزوج
حدد بالضبط ماهية مشاعرك!
- مبروك يا بنتي!
حدقت في عينيه الغائمتين .. احتضنته وطبعت قبلة على خده ..
- ما أجملك وما أجمل قلبك .. أيها العجوز!
ثم قالت بعد صمت:
- راح تيجي تحضر العرس .. بخنقك لو ما جيت!
* * * * * * *
كانت عيناها تجوبان صالة الأفراح بحثاً عنه .. استبد بها القلق .. من الزاوية البعيدة أشار إليها بيده فتهلل وجهها فرحا .. همست في أذن العريس فهز رأسه موافقاً .. تقدما نحوه ..
- بابا .. عريسي جمال
تصافحا ..
- تشرفنا!
- مبروك يا إبني .. مبروك يا بنتي
أخذته من يده .. أجلسته على طاولة قريبة من اللوج ..
* * * * * * *
عزفت الفرقة موسيقى هادئة .. همست في أذن عريسها مرة أخرى فهز رأسه موافقاً .. تقدمت منه مادة يدها ..
- قوم!
- وين؟
- ح ترقص معي
- لأ
جذبته من يده فكان لا بد أن يمتثل .. تمايلا على أنغام الموسيقى الهادئة .. احتفظ بجسده بعيداً بعض الشيء لئلا تسمع دقات قلبه المتصاعدة .. ولكنها التصقت به وألقت برأسها على صدره هامسة:
- مش ح تبعد عني شو ما صار .. ما رح أسمح لك!
* * * * * * *
أخرجت من حقيبتها تفاحة وسكيناً .. قسمت التفاحة إلى نصفين وقدمت له واحداً .. مد يده ليأخذه ولكنها هزت رأسها:
- هئه
قربت نصف التفاحة من شفتيه وكأنها تأمره فامتثل .. قضم منه قضمة واحدة .. قضمت من النصف الآخر قضمة صغيرة وناولته إياه .. أخذت مغمضة العينين تتهجى بشفتيها حروف فمه التي انطبعت على النصف الذي أكل منه ..