2014/09/08

مسمار بولاد

صحيح أنني مسمار .. ولكنني لست مجرد مسمار .. رغم أنني في نظركم مجرد مسمار بولاد .. تم خلعه من مكانه على الحائط .. وملئ الثقب الذي كان يشغله بالمعجون .. تمهيداً لإعادة طلاء سقف البيت وحوائطه بالأملشن .. في إطار ورشة تجديد شاملة لديكورات البيت وأثاثه ..

قبل ثلاثين سنة دقني سيدي رحمه الله في هذا المكان .. وفي هذا المكان أصر سيدي على بقائي .. كان يحبني .. فقد كنت المسمار الوحيد الذي استطاع أن يخترق صلابة الجدار وأن يبقى صامداً طيلة تلك السنوات .. وأن يحمل بحب وحنان حطته وعقاله وعباءته وما هو أكثر من ذلك .. وكنت أحبه .. فأستلم منه ما يعلقه علي بلهفة وحنان .. وأحتفظ به كما تحتفظ سيدتي بالرسالة الوحيدة التي أرسلها ابنها الذي غاب عنها لسنوات ..

في هذا المكان ظللت طيلة تلك السنوات .. أستمعت سعيداً لهمسات سيدي وسيدتي الملونة .. وشاركتهما سعادتهما بقدوم هند ومهند وفاطمة ودعاء .. وشاركتهما حزنهما ودموعهما كلما كان مهند يعود قبيل الفجر فيقابل اسئلتهم القلقة بالصراخ والشتائم .. وشاركتهما فرحتهما بزفاف هند وفاطمة .. وذرفت معهما الدموع برحيل دعاء المفاجئ والتي انقطعت برحيلها الضحكات المشاغبة والابتسامات الحانية ..

لم أكن مجرد مسمار تم خلعه من مكانه .. ولم أكن الوحيد الذي تم خلعه .. فبالأمس .. حمل مهند سيدتي إلى دار المسنين .. وحمل معها عكازها .. وصرة صغيرة وضعتني فيها مع أشياءها الحميمة .. وحطة سيدي وعقاله وعباءته