يوم الخميس، كان عيد ميلاد هنادي .. كنت قد اتفقت مع زوجتي أن نذهب معاً يوم الجمعة - أنا وهي فقط - لكي نزورها ونطمئن عليها .. ونعود (ع السريع) ..
في الحادية عشرة، قالت زوجتي:
- ”الساعة 12 بالزبط بنتحرك .. منيح“
- ”منيح“
في الحادية عشرة والنصف قالت زوجتي: ”يالله؟ شو .. لساتك ما جهزت؟“
- مشطت (الكُشّة) -ع السريع- وقلت لها: ”أنا جاهز!“
وخرجت .. فوجئت بديانا .. في يدها كتاب .. وتقول: ”أنا جاي معاكم“
- ”آر يو شور“
- ”يس“
* * * * * * *
عندما وصلنا، نزلت زوجتي وديانا من السيارة .. وجلست أنتظر .. بعد قليل عادتا ومعهما هنادي ..
- ”بتحبوا نتغدى بمطعم ولا ناخذ أكل ونروح نقعد في مكان حلو؟“
- ”نقعد في مكان حلو“
استعرضت في ذهني قائمة الأماكن (الحلوة) التي ذهبنا إليها سابقاً ..
- ”طريق أم قيس فيه قعدات حلوة .. شو رايكم؟“
- ”يللا“
في الطريق إلى (الطريق) غيرت طريقي .. وبدلا من أن أنعطف إلى طريق جانبي يوصل إلى (الطريق) واصلت مسيري إلى الأمام ..
- ”شو؟ غيرت رأيك؟“
- ”لا .. بس بنروح ع الشونة الشمالية .. ومن هناك بنطلع لأم قيس .. أكيد هسه الطريق من الشونة لأم قيس بيجنن“
وصلنا الشونة الشمالية وانعطفنا إلى طريق جانبي ضيق، مروراً بسد العرب ..
ومع أننا سلكنا ذات الطريق (في مرة سابقة) إلا أن زوجتي قالت:
- ”هاد المكان حلو .. يالله نقعد هون“
نظرت إلى المكان .. صحيح أنه جميل .. وصحيح أنه كانت تجلس بعض العائلات .. تستظل بظل شجرة هنا وهناك .. ولكنني قدّرت أننا لن نكون (مبسوطين) هناك بسبب حرارة الجو في تلك المنطقة في هذا الوقت من السنة ..
صعدتْ السيارة الطريق الضيق المتجه من الشونة إلى أم قيس .. وكلما مررنا على شجرة ذات ظل تقول زوجتي:
- ”هون منيح .. نقعد هون؟“
كانت زوجتي تريد أن تقنعني (بذلك) بعدم الاستمرار في الصعود في ذلك الطريق الضيق الملتوي ..
كإجراء احترازي كنت (أزمر) عند كل منعطف .. لكي أنبه أية سيارة قد تكون في تلك اللحظة مختفية خلف واحد من تلك المنعطفات ..
- ”بيكفي تزمير .. شو انت ماشي بعرس؟“
وأخيراً ..انتهت المنعطفات الحادة .. صحيح أن الطريق ظل ضيقاً .. ولكننا وصلنا منطقة منبسطة وبلا تعاريج حادة .. استرخت زوجتي، وتوقفت عن اقتراح التوقف والجلوس تحت ظل أي شجرة على جانب الطريق ..
وصلنا إلى أم قيس ..
- ”تقعدوا هون ولا نظل ماشيين مطرح ما كنا ناويين؟“
- ”لأ نقعد هون“
وقعدنا (هون) ..
و (هون) تعني نفس المكان الذي قعدنا فيه في المرة الماضية .. ليس نفس المكان بالضبط .. لأن عائلة أخرى كانت قاعدة (محلّنا) .. فجلسنا في (هون) أخرى .. قريبة من (هون) التي كنا ننظر إلى من جلسوا هناك باعتبارهم .. (يا عيب الشوم) .. قد أخذوا مكاننا ..
ما علينا .. فـ(هون الجديدة) كانت مكاناً جميلاً أيضاً .. وساهم العاملون في المكان بجعله أكثر راحة لنا عندما أحضروا (غرفة) تقينا أشعة الشمس المباشرة .. جلسنا في ظلها .. وفتحنا أكياس الغداء ..
لم نكن وحدنا من هجم على الغداء .. في البداية ظهرت (من الغيب) ذبابة أو ذبابتان .. ثم .. ويا للهول .. نحلة!
وفي الحقيقة فإن (معركتنا) مع الذباب كانت (نزهة) مقارنة مع معركتنا مع النحل ..
في البداية ظهرت نحلة .. ظلت تحوم محاولة مشاركتنا في الشرب من علب البيبسي .. كنت قد شربت نصف العلبة عندما اقتربت النحلة .. هدّت على العلبة .. ثم .. دخلت فيها .. أحكمت إغلاق علبة البيبسي لأمنعها من الخروج ..
قالت ديانا:
- ”بابا خض العلبة“
خضيت العلبة .. ففارت محتوياتها وخرجت منها رغما عني ..
أخذت ديانا العلبة ورمتها في حاوية قريبة ..
بعد قليل كان هناك غيمة من النحل تحوم حول العلبة التي رمتها في الحاوية ..
اقتربت نحلة أخرى لتحوم حول هنادي .. كانت هنادي تلبس (جاكيت) أصفر .. وربما اعتقدت النحلة أن هنادي وردة صفراء
- ”طرااااااخ“
كانت تلك ال (طراخ) هي صوت حذاء الوردة الصفراء وهو يسحق النحلة ..
من الواضح أن ديانا كانت مشفقة على النحلة التي كانت قد سُحقت جزئيا بحذاء (الوردة الصفراء) .. لأنها أمسكت بشيء ما .. وأخذت تكمل سحق النحلة ..
- ”حرام .. حرام .. قاعدة بتتعذب .. حرام .. حرام“
وأكملت ديانا مهمتها (الإنسانية) في تخليص النحلة المسكينة من عذابها ..
كان العاملون في الاستراحة يعملون بهمة ونشاط في تثبيت الأضواء والسماعات استعداداً لبث أحدى المباريات على شاشة كبيرة .. وفي الأثناء وضعوا بعض الأغاني .. وكانت إحدى أشجار الورد تتمايل مع الهواء .. قلت لهنادي:
- ”صوّري أغصان الشجرة والورود بتتمايل مع ألحان الأغنية“
أمسكت هنادي بموبايلها لتصور الشجرة ..
- ”صوّريها من قريب“
أحسّت ديانا أن الشجرة لا ترقص مع الألحان كما يجب .. فأمسكت بغصنين من أغصانها .. وأخذت ترقّصهما مع اللحن الجميل ..
ذهبت هنادي وديانا إلى تواليت السيدات .. كان هنالك شجيرة ورد .. أعجبت ديانا .. إلتفتت يمينا ويساراً لتتأكد أنه لا يراها أحد .. وقطفت وردة .. اقتربت من هنادي هامسة:
- ”حطيها في الشنتة .. بسرعة بسرعة .. حطيها في الشنتة“
عندما ذهبت أنا إلى تواليت الرجال .. كان هناك كهل .. عندما رآني قال بابتسامة:
- ”أهلاً وسهلاً“
وسبقني إلى الداخل .. وفتح باباً من أبواب الحمامات المتجاورة في صف طويل قائلاً:
- ”ده أحسن واحد .. إحنا بنقفله على طول وما بنفتحهوش إلا للناس اللي زي حضرتك كده“
وعندما خرجت وقف قريباً مني إلى أن انتهيت من غسل يدي بالماء والصابون .. ومد لي يده ب(باكيت الكلينكس) .. قائلاً:
- ”شفيتم .. يا سعادة البيه“
كانت الساعة قد اقتربت من السابعة .. قمنا متجهين إلى السيارة .. قلت للرجل الذي استقبلنا:
- ”احنا حاسبنا على كلشي ما عدا الشاي“
- ”الشاي ضيافة من المحل“
شكرته .. وانطلقنا عائدين .. وكانت الشمس في تلك اللحظات تتأهب للغروب.