2014/05/07

الحاجة خديجة

- محمااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااد

أيقظني صوتها من سابع حلم .. نهضت من فراشي كمن داس على زمبرك .. هرولت باتجاه غرفتها .. غرفتها التي هجرتها منذ أن .. ولكن تلك حكاية أخرى .. وجدتها جالسة على طرف سريرها تحملق في فتحة الباب الذي اقتحمت الغرفة منه ..

- خير شو في؟

- بسرعة خذني ع المستشفى ..

- ولك شو في؟

- خذني ع المستشفااااااااااااااااااااااااااا

هرولت إلى جيراننا أدق أبوابهم واحداً واحداً .. ففي هذا الوقت من الليل تخلو الشوارع من كل شيء .. من البني آدمين .. والسيارات .. ولن أجد فيها إلا قطط الليل تتعارك على ما قذفته بيوت الحارة في الحاويات ..

فتحت جارتنا أم عمر الباب وهي تجاهد لفتح عينيها اللتين أغلقهما النعاس بإحكام شديد .. وعندما ميزت هويتي فتحت عينيها بدهشة بالغة ..

- خير يا جار؟ شو في؟

- مرتي يا أم عمر؟

- ولك شو في؟

- مش عارف .. بدها أوديها ع المستشفى هسه ..

- آآآآآآآآآآآآآه .. معناتو .. طيب استنى أصحيلك أبو عمر ..

نزل معي أبو عمر إلى سيارته .. بينما ركضت أم عمر باتجاه باب شقتي المقابلة لشقتها في العمارة التي نسكنها معاً ..

حاول أبو عمر أن يشغل سيارته .. ولكنها تنّحت ..

- استنى بلكي صحينا أبو حسين ..

هرولنا معا إلى بيت جارنا أبي حسين .. ضغطت على جرس الباب مرة .. مرتين .. ثلاث مرات .. عشر مرات .. ولا أحد ..

- أكيد ما في حدا في البيت ولا كانوا صحيوا ..

خرجت أم عمر من باب شقتي وصرخت: روحوا ركض ع بيت الحجة خديجة .. يالله شو قاعدين بتستنوا؟

- مين هاي الحجة خديجة؟

- ولك تعاااااااااااال ..

قال أبو عمر وجذبني .. ذهبنا مشياً .. أقصد ركضاً .. لم أكن أعرف خديجة ولا بيتها .. ولكن أبو عمر هو الذي أنقذ الموقف .. لم يكن على باب بيتها جرس فطرقنا الباب .. خرجت إلينا امرأة في الخمسينات .. ولكن ملامح وجهها وتقاطيع جسدها لا توحي أبداً بأنها (حاجّة) .. ولعلها لاحظت استغراقي في النظر إليها فأخرجتني من البئر الذي كدت أن أصل قاعه ..

- خير شو في؟

- مرتي ..

- معاكو سيارة؟

- لا والله يا حاجة بس البيت قريب

- طب أوصفولي عنوان البيت

وصفناه .. أقصد وصفه لها أبو عمر ..

- ثواني ألبس وبلحقكو .. اسبقوني انتو ..

سبقناها ..

عندما اقتربنا، أبو عمر وأنا، من العمارة التي نسكنها، سمعنا صوت زوجتي يشق عنان السماء ..

لاحظ أبو عمر قلقي وارتباكي .. فقال لي: روق يا جار .. انشالله بسيطة .. ها لعاد بدك تصير (أبو) ع البارد المستريح؟

- أبو؟

- آه .. أبو .. وأنا اللي بنقي الحلوان ترا ..

وضحك .. فابتسمت ولكنني لم أخرج من ارتباكي وقلقي ..

بعدها بثوانٍ كانت (الحجة خديجة) في بيتي ..

- بسرعة سخن ميَه وجيبلي اياها .. يللا بسرعة لساتك واقف؟

ملأت السخان بالماء ووضعته على الغاز ..

- خلّصني هات الميّ

أحضرت لها الماء ..

* * * * * * *

ازداد صراخ زوجتي وتسارع .. وأخيراً .. سمعت صراخ طفل ..

* * * * * * *

خرجت الحاجة خديجة من باب الغرفة .. كان العرق يملأ وجهها ..

- مبروك .. شو بدكو تسمّوا العروس؟

- خديجة

ضحكت ضحكة ملأت الشقة وخرجت في سكون الليل إلى الشقق والعمارات المجاورة وكأنها ضحكة سكارى عائدين في آخر الليل إلى بيوتهم من الحانات ..

- شوفلك اسم زي الناس يا إبني .. هاظ إسم قديم وما بنفع لعروسات هالأيام

- مالك واقف؟ قال أبو عمر .. إعطيها اللي فيه النصيب خليها تروّح ع بيتها .. المرا هلكت الليلة معاكو ..

* * * * * * *

خرجت الحاجة خديجة بعد أن وعدتني بالعودة صباح الغد للاطمئنان على زوجتي وال(عروس) .. جلسنا أنا وأبو عمر .. وبين الفينة والفينة كانت أم عمر تخرج إلينا لتطلب مني إحضار شيء ما لزوجتي أو للـ (عروس) ..

* * * * * * *

- ليش بتسموها الحاجة خديجة؟ ليش ما بتسموها بإسم إبنها الكبير؟ أم فلان؟

نظر إلي أبو عمر باستغراب ..

- يا زلمة انت ولا كأنك عايش معنا بهالدنيا؟ الحاجة خديجة عمرها ما خلفتّ

- يعني مش متجوزة؟

- امبلى .. بس الله ما رزقها

- يعني أبتخلفش؟

سكت أبو عمر لثوان .. ثم قال:

- الله أعلم .. العوقة منها ولا من جوزها ..

- نصيب .. كلشي قسمة ونصيب

* * * * * * *

خرجت أم عمر .. كان من الواضح أن الإجهاد والنعاس قد دمراها تماماً .. سحبت أبا عمر من يده وقالت: مرتك نايمة .. والبنت كمان .. ما شالله عليها زي القمر .. خلينا نناملنا ساعتين .. بكرا .. قصدي اليوم الصبح .. برجع .. ناملك انت كمان شوي يا جار .. قدامكو أيام وليالي مش رح تناموا فيها زي العالم والناس ..

وبقيت وحدي .. أحاول النوم .. وأفكر بالحاجة خديجة.