استيقظت في الخامسة صباحاً .. نظرت إلى طفلي عمر، النائم بجانبي .. كانت قدماه على مخدته الصغيرة ورأسه في مكان ما، تحت اللحاف .. اللحاف الوحيد الذي نمتلكه، صححت نومته وغطيته .. سأوقظه في السادسة ليكون جاهزاً عندما يأتي باص الروضة في السادسة والنصف ..
ذهبت إلى الحمام .. ثم إلى المطبخ .. أعددت مطارة عمر وسندويشة وضعتها في كيس النايلون ليأخذها معه إلى الروضة .. أعددت لنفسي فنجاناً من القهوة وجلست أحتسيه وأدخن ..
* * * * * * *
بعد طلاقي من ماجد اضطررت لبيع الكثير من أثاث البيت .. بعته قطعة بعد قطعة .. قطعة لدفع أجرة البيت .. وقطعة لتسديد فاتورة كهرباء .. وأخرى لتسديد فواتير مياه متراكمة .. لم يكن المبلغ الذي حكمت به المحكمة كنفقة لي ولطفلي كافياً إلا لبعض الأساسيات فكان لا بد أن أبحث عن أي عمل لأعيش .. وجدت عملاً في عيادة طبيب .. أكون في العيادة في الثامنة .. أنظفها .. أرتب المكان ليصبح جاهزاً لاستقبال المرضى .. أنظم مواعيدهم .. أرد على المكالمات .. أحضر طلبات الدكتور من الشاي والقهوة .. و .. أتكتم على ما يجري وراء الباب الذي كان يغلقه من الداخل عندما كانت تأتي - من وقت لآخر - (مريضة حالتها صعبة شوي) بعد أن يطلب مني أن (أتصرف مع أي حدا بيجي أو بيسأل عني ع التلفون) ..
- فهمتي يا حجة؟
كان يقول لي ذلك وهو يبتسم ابتسامة ذات مغزى
طبعاً فهمت .. وكان يعلم أنني فهمت .. فيغمزني بعينه ويبتسم ويختفي مع (مريضته) وراء الباب المغلق.
في البداية (حاول) معي .. وعندما رفضت بأدب .. لم يطردني .. لم يغضب .. قال بهدوء: ”أوكي .. آز يو لايك .. جست فورغت ات .. أوكي“
لم يكن الدكتور سيئاً .. وعلى العكس فقد كان كريماً معي في مواقف كثيرة .. وبمرور الأيام بدأت أعتبر تصرفاته طبيعية .. فهو شاب .. ووسيم .. وأعزب .. ومن حقه أن ..
ولكنني شيئاً فشيئاً .. بدأت ألاحظ أنه أصبح يسألني أسئلة كثيرة .. عن نفسي .. عن عمر .. عن ماجد وسبب طلاقي منه .. في البداية كنت متحفظة في أجوبتي .. ولكن عفويته في طرح الأسئلة واهتمامه بمعرفة كل التفاصيل الصغيرة جعلاني أشعر باطمئنان كبير فأفتح قلبي له وأستفيض في الإجابة ..
- انتي اصدق وأرق مخلوقة عرفتها في حياتي .. وعشان هيك بدي أنا كمان أصارحك بشغلة .. أنا لسه ما تجوزت لسببين ..
- شو همي؟
- أول سبب .. إني ما لقيت وحدة زيك
اغرورقت عيناي بالدموع ..
- والسبب الثاني؟
صمت قليلاً .. ثم قال:
- السبب الثاني .. إني .. ع الأغلب ما راح أقدر أخلّف
بكيت .. تردد قليلاً .. ثم أخرج من باكيت الفاين عدة مناديل ورقية .. اقترب مني .. ومسح دموعي ..
- أنا آسف يا حجة .. آسف إني بكّيتك .. فرجيني ابتسامتك الحلوة أشوف؟
* * * * * * *
بعدها .. خفت زيارات (المريضات اللي حالتهن صعبة شوي) .. ثم توقفت .. كنت سعيدة بذلك .. ولا بد أنه لاحظ ذلك .. لأنه قال لي:
- أحلى إشي فيكي إنك ما بتقدري تخبي اللي جواكي .. انتي زيي يا حجة .. كتاب مفتوح
- شو قصدك دكتور؟
لم يجب .. ولكنه ضحك ..
* * * * * * *
وصلت الى العيادة في الثامنة .. فوجئت به واقفاً وراء البوتوغاز يعد بنفسه القهوة
- غريبة دكتور .. ما إلك بالعادة تيجي هيك بكّير ..
- حبيت أحضرلك اليوم القهوة بنفسي
- إنت تحضرلي القهوة دكتور؟ إلي أنا؟
ابتسم ..
- حجة .. بالمشرمحي: تتجوزيني؟
- والمريضات اللي حالتهن صعبة شوي؟
ضحك طويلاً:
- خلص .. طابن
- بتحكي جد؟
- في بيناتنا مزح يا حجة؟
- وعمر؟
- عمر مثل إبني .. شو قلتي؟ إيمتى أجيب الجاهة؟
كنت سعيدة .. سعيدة إلى الحد الذي كاد يجعلني أهم بالقفز من مكاني إلى حضنه وتقبيله .. ولكنني بدلاً من ذلك .. ابتسمت وقلت بدلال:
- دكتور .. عنجد انت فاجأتني .. اعطيني مهلة أفكر
- أوكي حجة .. فكري على مهلك .. معاكي ربع ساعة .. منيح؟
لم أكن بحاجة للتفكير .. وكان يعلم ذلك .. ولكنني قلت:
- لأ قليل ربع ساعة .. إعزمني ع الغدا .. وبعد الغدا .. بيصير خير ..