لا خوف مع الحرية .. ولا حرية مع الخوف
2014/01/24
سعيد
كنت في سيارتي، متجها إلى العقبة، في محاولة للترويح عن النفس. عدت أول أمس من السعودية بالطائرة في إجازة قصيرة بعد عام طويل من العمل المضني، عدت وحدي، فقد رفض أولادي مرافقتي إلى الأردن، وفضلوا الذهاب لتمضية الإجازة مع أمهم (جانيت) عند أهلها في أمريكا. بعد اكتمال اجراءات التفتيش والجوازات خرجت إلى قاعة إنتظار القادمين. لم يكن معي سوى شنطة صغيرة (هاندباغ) علقتها على كتفي، أما الحقيبة الكبيرة التي وضعت فيها بعض الملابس والكتب فكنت قد وضعتها في صندوق السيارة التي تنتظرني في المطار. في القاعة رأيت رجلا يحمل ورقة متوسطة الحجم تحمل إسمي .. اقتربت منه، مددت إليه يدي مصافحا، وعرفته بنفسي.
- الحمد لله ع السلامة. أنا مندوب الشركة اللي حضرتك رتبت معها شحن سيارتك. وهاي المفتاح.
أخذت منه المفتاح، ومددت يدي إليه بمبلغ من المال كإكرامية قائلا:
- شكرا .. يسلموا .. وين بتحب أوصلك؟
- لأ .. شكرا .. بدبر حالي ..
- شو هالحكي؟ .. ما بيصير! .. لا والله غير أوصلك وين ما بدك!
أوصلته إلى بيته واتجهت إلى الفندق الذي كنت قد رتبت أمور إقامتي فيه خلال فترة الإجازة هاتفيا.
* * * * * * *
كنت قد وصلت الفندق في الليل، ولأنني كنت مرهقا من السفر فقد رحت في نوم عميق تخللته بعض الأحلام الجميلة وبعض الكوابيس .. ليس لي في الأردن من الأقارب سوى أخت واحدة مقيمة في الزرقاء، تزوجَتْ أثناء وجودي في أمريكا للدراسة من شاب من إحدى العشائر الكبيرة في البلد، وعندما عدت من أمريكا زرتها ومعي زوجتي (جانيت)، إبنة صاحبة البيت الذي كنت أقيم فيه، أحببت جانيت وأحبتني فتزوجنا .. وصرت فردا من الأسرة بعد أن كنت مستأجرا ..
قبل عودتي إلى الأردن اتصلت بأختي لأخبرها بقدومي .. على الطرف الآخر من الخط كان أحد أبنائها .. هم لا يحبونني .. لا يحبون خالهم الوحيد .. خالهم (البلجيكي) .. هذا اللقب المقيت الذي كانوا يتلذذون برؤيتي متألما كلما سمعتهم يطلقونه علي فيتعمدون تكراره بمناسبة وبغير مناسبة ..
- يابا .. هاظ خالي بيسأل عن أمي
أخبرني زوجها أنها ذهبت منذ عدة أيام في زيارة لأقاربها (غَرْبا) .. أخوالها وأعمامها وخالاتها وعماتها ممن بقوا هناك (غربا) ولم يخرجوا مثلي إلى الشتات ..
إذن لم يكن لدي ما أفعله سوى تمضية فترة إجازتي كسائح ..
* * * * * * *
رغما عني، ظللت طوال الطريق أقارن، من نوافذ سيارتي المكيفة، بين ما أراه الآن، وبين مناظر نفس الأشياء والأماكن التي رأيتها في زيارتي السابقة .. هل اختلف شيء؟ ربما، حفرة جديدة، هنا أو هناك، على طول الطريق الصحراوي الممتد بين عمان والعقبة .. وجوه ازدادت بؤسا وشقاء وتقطيبا لأجساد ترتدي ملابس أكثر رثاثة ..ما عدا ذلك لم أر أي اختلاف ..
وصلت القطرانة .. كنت جائعا .. نظرت إلى مؤشر البنزين في السيارة .. حسنا .. ها هي الإستراحة .. استراحة القطرانة ومحطة الوقود .. وكعادتي، عندما أضطر أنا لاتخاذ أي قرار، ترددت .. أين أنت يا جانيت لتقرري لي .. هل أبدأ بالسيارة أم ببطني؟ .. كانت جانيت، منذ أن تعرفت إليها هي من يتخذ القرارات .. عني .. وعنها .. وعن أولادنا .. هي من تقرر ماذا نأكل، ماذا نشرب، أين نسهر ليلة رأس السنة، ما هي الملابس التي ينبغي أن أرتديها كلما خرجت من البيت .. جانيت يا عزيزتي .. كم أفتقدك!
اتجهت .. مترددا .. إلى محطة الوقود .. فقد توقعت أن جانيت كانت ستقرر ذلك لو كانت معي .. توقفت بالسيارة على يمين ماكينة التعبئة .. بعد أن أنهى العامل تعبئة السيارة التي سبقتني جاء دوري ..
- قديش بدك أستاذ؟
صوته مألوف بالنسبة لي .. أقصد أنه محفور في مكان ما من ذاكرتي ..
نظرت إليه .. دققت في ملامح وجه الرجل الذي وقف ينتظر إجابتي على سؤاله .. وفجأة .. فجأة تذكرت .. فصرخت كمن هبطت على رأسه صخرة من السماء:
- سعيييييييييييييييييييييييييييد؟
نظر الرجل إلي مندهشا ..
- آه .. أنا سعيد .. إنت بتعرفني؟
كان سعيد (أشطر) طالب في الصف .. كنا، جميعنا، أقصد كل من معه في نفس الصف، نغار منه .. كان مؤدبا .. فلم يكن بوسعنا أن نجد سببا لكرهه .. ولكننا كنا نغار منه لشدة ذكائه .. لتفوقه علينا .. لأنه كان دائما يسبقنا كثيرا في العلامات .. وفي محبة الأساتذة له .. وكان .. بالإضافة إلى ذلك كله يكتب مواضيع جميلة في الإنشاء .. وكانت مجلة الحائط في المدرسة تنشر له .. في كل أسبوع .. قصيدة أو قصة أو خاطرة ..
وفجأة .. كما تذكرته .. تذكرني .. ولكنه بعكسي .. لم يكن سعيدا بتذكره لي.
أصررت، بعد أن أنهى سعيد تعبئة خزان سيارتي بالوقود .. أن يرافقني إلى الإستراحة .. لنجلس ونتحدث. حاول الإعتذار .. ولكنني أزددت إصرارا ..
- ولك أنا عازمك .. من زمااااااان ما شفتك .. إنت مش جوعان؟
وأخيرا قبل .. طلب من أحد زملائه أن ينوب عنه .. واتجهنا معا إلى الإستراحة
* * * * * * *
أثناء تناولنا الغداء حكى لي سعيد كل شيء .. وحكيت له كل شيء ..
على الرغم من تفوقه علينا جميعا، فقد كان، بعكسي أنا، فقيرا .. فلم يستطع أن يحصل على منحة أو بعثة .. ولم يشفع له معدله المرتفع في دراسة الطب .. المهنة التي كان، ولا يزال، يعشقها .. فقد ذهبت كل مقاعد الطب إلى .. من يستطيع أن يدفع، أو أن يدبر من يدفع عنه .. نصحه أحد معارف والده أن يقدم أوراقه إلى العراق .. وهناك كان عليه أن يختار بين الانضمام إلى الحزب والحصول على بعثة تغطي تكاليف دراسته وإقامته .. وبين أن يترك الدراسة ويعود .. فـ .. عاد ..
بعد عودته أعاد التوجيهي، حصل على معدل أعلى، وقدم إلى الجامعة .. مرة أخرى ذهبت كل مقاعد الطب إلى من يستطيع أن يدفع، أو أن يدبر من يدفع عنه .. وأخيرا يئس من المحاولة .. ولأنه يحب الأدب، التحق بكلية الآداب ..
- كان لازم أدرس أي إشي طالما ما قدرتش أدرس التخصص إللي بلاقي حالي فيه .. وأي إشي يعني تخصص رخيص وكويس وإبن ناس .. فالتحقت بالجامعة في كلية الآداب ..
كنت أشتغل بس عشان أدرس .. ولما مات أبوي صرت أشتغل كمان عشان نعيش .. حاولت أوفق بين شغلي ودراستي .. حاولت كثير .. بس في الآخر .. تركت الجامعة.
* * * * * * *
وأخيرا سكت سعيد ..
أخذت منه رقم هاتفه .. وأعطيته رقم هاتفي المؤقت في الأردن وبطاقتي التي كتب عليها بخط أنيق مذهب إسمي ومهنتي وعناويني وأرقام تلفوناتي ..
وضعها في جيب بنطاله الخلفي ..
وكان لا بد أن يعود سعيد إلى عمله. وأن أتابع طريقي ..
2014/01/19
الحاج رزق
أنهى الحاج رزق حسابات المخبز التي يقوم بها في نهاية كل أسبوع .. أغلق الدفتر .. أخرج من جيب سترته علبة السجائر والولاعة ..أشعل سيجارته .. أخذ منها نفساً عميقاً .. وأخرج من فتحتي أنفه عمودي دخان سرعان ما كونا سحابة فوق رأسه.
قال له الدكتور سامي عندما زاره في المرة الأخيرة بعد أن دقق في صور الأشعة التي كان قد طلب منه أن يعملها في الزيارة السابقة: ”اسمعني منيح يا حج رزق .. لازم تتوقف فوراً عن التدخين .. صحتك بالنازل والتدخين بيزيد الأمر سوء“
فأجابه: ”ما بقدر يا دكتور .. كل شي ولا الدخان“
ولكن الطبيب قال له: ”انت حر. ولكن الدخان رح يقتلك. لا تقول ما حذرتك هاه“
ضحك الحاج رزق بمرارة وأجاب: ”لا تخاف يا دكتور .. ما رح أقول إنك ما حذرتني“
ضحك الدكتور بيأس .. لقد تعود على عناد الحاج رزق .. وهو يعلم تماماً أنه لن يتوقف عن التدخين مهما حصل ..
وأخيرا كان لا بد أن ينهي النقاش .. وقف ماداً يده لمصافحة الحاج رزق قائلاً: ”عقلك في راسك بتعرف خلاصك .. انا عملت اللي عليي وحذرتك“ .. ثم أردف ضاحكاً: ”شكلو رح ناكل من رزاتك قريب“
في ذلك المساء، عندما عاد إلى البيت، أخبر زوجته، الحاجة خديجة، بما دار بينه وبين الطبيب ..
قالت خديجة: ”كلام الدكتور مزبوط .. أنا من زمان وأنا بقلك اتركك من هالسخماط .. بس انت راسك صوان“
فأجاب: ”العمر واحد والرب واحد يا حجة“.
حسابات المخبز غير مطمئنة .. بدأت تتدهور منذ ثلاث سنوات .. ولكنها الآن في الحضيض .. أمامه الآن حلان لا ثالث لهما: إما أن يستغني عن إبراهيم ويوفر راتبه، وإما أن يبيع المخبز فيسدد ما تراكم عليه من ديون ويفتح بما يتبقى من ثمن المخبز بقالة صغيرة يعيش من ورائها هو وزوجته خديجة .. آه يا خديجة .. كم كنت صبورة ومتفانية ومضحية في الأربعين سنة التي مرت على زواجنا .. عشت معي على الحلوة والمرة يا خديجة .. وعندما أخبرنا الأطباء الكثيرون الذين راجعناهم واحداً إثر واحد بأننا لن نستطيع الإنجاب قلت لي: ”اسمعنى منيح يا رزق .. اذا العوقة مني انا روح وتزوج .. مش رح أمانع إنك تتزوج وتخلف .. صحيح ما رح أكون سعيدة .. بس إني أشوفك وبإيدك ولد مبسوط فيه هاي لحالها عندي بالدنيا كلها .. رزق .. سعادتي من سعادتك“ .. يومها قلت لك يا خديجة: ”وانتي اسمعيني منيح يا خديجة .. شو يعني ولاد؟ طز في الولاد. الموضوع هاظ ما بدي نحكي فيه بالمرة .. فاهمة؟“
ولكن خديجة لن توافق على بيع المخبز .. أنا أعرفها .. المخبز روحها وحياتها .. وصيغتها التي وضعتها في يدي بعد أن ترمجت من الجيش بوشاية من البعض فخرجت من المعسكر إلى الشارع صفر اليدين .. ”رزق حبيبي هاي صيغتي كلها .. وهاي أكمن ليرة راظوني بيهن اخواني يوم ما قسموا ورثة المرحوم أبوي .. شو عندك مشاريع؟“
اتفقنا على أن نفتح مخبز ..
قلت لها: ”رح أكتبه بإسمك يا خديجة“
ردت بصوت حاسم: ”لأ“
حاولت أن أجادل: ”بس يا خديجة هاظ حقك .. و ..“
قاطعتني: ”رزق! .. بتسجل المحل بإسمك انتا .. ولا تناقشني .. فاهم ولا لآ؟“
وفتحت المخبز .. أقصد فتحنا المخبز .. خديجة وأنا .. المخبز بإسمي .. ومنها راس المال والدعوات ..
مد يده إلى علبة السجائر .. أخرج سيجارة ثانية أشعلها .. وتراكمت فوق رأسه مرة أخرى سحب الدخان ..
كان أول عامل أشغله معي إبراهيم .. إبراهيم يا صديقي الذي سيكون أول من أضحي به لأنقذ المحل .. ولكن هل سأستطيع فعلاً أن أضحي بك؟
عندما علم إبراهيم بأنني وزوجتي لن نرزق بأولاد .. عانقني .. بل احتضنني .. احتضنني مطولا .. طبطب على ظهري .. وكعادته دائما في مواجهة كل مشاكله بالإيغال في السخرية والقهقهة قال لي: ”معلمي .. انت عارف اني عندي ثلاث ولاد .. والله يا معلمي انهم كاسرين ظهري .. معلمي .. شو رايك توخذ منهم واحد أو اثنين؟“
رغما عني ضحكت ..
”والله يا معلمي ما بمزح .. خذ الولد الزغير .. محمود أبو شخة .. هو صحيح مبهدل بس والله دماته عسل“
”الله يخليلك اياهم يا ابراهيم ويخليك إلهم .. ويقدرك على تربايتهم“
كان إبراهيم دينمو المخبز .. كان هو من يقف من الفجر الى العشاء أمام بيت النار بينما كنت أنا أحضر له أقراص العجين لتكون جاهزة لـ ”الدخول إلى النار“ كما كان هو يردد ضاحكاً .. كم كانت قفشاتك تسعدني يا إبراهيم .. يا صديقي .. يا رفيق العمر ..
”معلمي .. إنت كبرت وختيرت وصار لازم ترتاح .. جيب واحد بدالك يجهزلي القراص وانت امسك الكاش والإدارة ويخلف عليك“
وهذا ما كان .. استلمت الكاش والحسابات والإدارة وساعدني ابراهيم في اختيار من يقوم بما كنت اقوم به .. وساعدت شخصيته المحببة ومرحه ومداعباته لزبائن المخبز في ازدهار العمل وتوسعه وزيادة ايراداته .. فهل ستكون يا ابراهيم أول من أضحي به لإنقاذ المخبز؟
لم أكن أنا الوحيد الذي كبر يا إبراهيم .. أنت أيضا كبرت يا صديقي .. وأولادك كبروا .. أولادك الذين أفنيت عمرك في تربيتهم وتعليمهم إلى أن حصل كل منهم على أعلى الشهادات .. ثم .. طاروا!
قال إبراهيم: ”معلمي .. انا زيك .. ما خلفت“
قلت له: ”ما تقول هيك يا إبراهيم .. بعيد الشر عنك وعن اولادك .. هيهم ماشالله عليهم صاروا دكاترة ومهندسين“
فيتنهد.
أشعل السيجارة الثالثة .. وتراكمت فوق رأسه مرة أخرى سحب الدخان ..
إبراهيم يا ابراهيم .. اللحظة التي ستترك فيها المخبز قد يتوقف فيها قلبي عن الخفقان .. ولكن .. الحسابات يا صديقي .. الديون تتراكم يا رفيق العمر .. انا مضطر .. مضطر يا صاحبي .. انا ..
”معلمي .. معلمي .. يا حج ..“
وبكى إبراهيم ..
في سيارة الإسعاف التي طلبها إبراهيم على عجل .. فتحت عيني ..حاولت أن أتكلم فلم أستطع ..أشرت إليه فاقترب .. وبكل صعوبة لمست الخاتم الذي في يدي .. خاتم خديجة ..
بكى إبراهيم ..
”الحجة خديجة في عيوني يا معلمي .. ما يكونلك أي فكر .. هسه بنوصل المستشفى وبترجع يا معلمي أحسن من أول“
2014/01/18
منيش ناسي ومش هانسى
م فيش في القلب غير صوتها
برغم الهجر وسكوتها
منيش ناسي ومش هانسى
مع انها بتنسى ميعادي
بقول معليشّ دا عادي
ده وحده الرّب م بينسى
ولمّا بغيب م تسألشي
تعدّي دهور ولا تقولشي
يَ غايب متّ أو لسّه
ولمّا الصّدفة تجمعنا
واقول كلمة لها معنى
بتفضل ساكتة وبتقسى
دموعي ياما شالتها
عن خدودي بلمستها
ولسّه بحسّ باللمسة
”بحبّك“ ياما قالتها
ببسمتها ودمعتها
ولمّا اسألها: ”بتحبّيني؟“
بتجاوبني في همسة:
”يَ نوري .. لسّه عندك شك؟“
وما أحلاها من همسة
م فيش في القلب غير صوتِك
برغم الهجر وسكوتِك
منيش ناسي ومش هانسى
2014/01/17
روح انخمد
روح انخمد، وانتشبّ ..
ما ظلّش حدا يقرا ورق
واللي بزماناته قرا ..
مسجون أو مرتدّ ..
والحلم انحرق
شو ظلّ فيها ..
(يعني في الدّنيا) ..
أمان
لمّا الأبو يوخذ تراتشي الإمّ ..
ينتشها نَتِش
واحد ورا الثّاني ..
ويبيع الحلق؟
فيد العروس ..
(ستّ الحسن) ..
كانت مصاري مجمّعة بالهمّ ..
وشويّة مصاري ملغمطة بالدمّ ..
ودموع وقلق
كانت: نقوط الإمّ ..
بدل دفتر ..
بدل لفّة فلافل ..
أو قلم
أو كندرة جديدة ..
ما كانت عرق
روح انخمد، وانطمّ
بلكي الحلم يقدر يشيل الهمّ
إبنك أبوك ..
يا صاحبي ظاع العُمُر
كلّ اللي مش مثلك على راس العَلَم
وانت الوحيد اللي ع أشجار الوهم ملتمّ
روح انخمد، وانطمّ
2014/01/15
بطلة الرواية
ثارت بطلة الرواية على الكاتبة، فقد مرت الفصول وكادت الرواية تنتهي بلا ..
كان أقصى ما سمحت به الكاتبة، هو أن يضع بطل الرواية طرف لوح الشوكولاتة بين شفتيه، وأن يومئ للبطلة فتضع الطرف الآخر بين شفتيها .. وعند تلك اللحظة التي كان ينبغي فيها أن .. .. كانت الكاتبة تقطع المشهد ..
- هيه! أيتها الكاتبة! هل أنت بلا قلب؟ .. قبلة على الأقل .. قبلة واحدة فقط بحق السماوات!
2014/01/14
افعلي أي شيء
اكتبي .. ارسمي .. اعزفي .. ارقصي .. افرحي .. اغضبي .. افعلي أيَّ شيءٍ .. عدا هذهِ الجلسةِ البائسةْ
لَمْ نجئْ للحياةِ لكي نستريحَ على عتْبةِ الحاسّةِ الخامسةْ
اهمسيني أنا .. ليسَ أحلى مِنَ المرأةِ الهامسةْ
وانعسي ساعةً فوقَ صدري فما يأسرُ القلبَ أكثرُ مِنْ أعينٍ ناعسةْ
واعبسي إن أردت .. فمَنْ قال أَنْ لا أنوثةَ في امرأةٍ عابسةْ؟
واصرخي .. حينَ يحلو الصراخُ .. فما كبَّرَ السّورَ مِنْ حَولِنا غيرُ أنفاسنا اليائسةْ
2014/01/13
عازفة الليل
وكنت ذات مساء على غصني المعهود فوق الشّجرة، أراقب بقيّة الطّيور. كان بعضها يتناجى، وكان بعضها يضحك، وبعضها يتضاحك. وكان بعضها يبكي وبعضها يتباكى، وكان بعضها يغرّد بما استطاع من تجميل صوت ليلفت إليه الانتباه. وكنت وحدي .. عندما فاجأني صوت جميل لم أسمع مثله من قبل .. كانت تعزف لحنا بديعا عن طير على وشك أن ينقر بيضته ليخرج إلى الحياة. سمعت صوتها ولم أرها ..
هتفتُ بأعلى صوتي طرباً: الله!
نظرت إلى جهة الصّوت .. لم أر أحداً ..
- تغريدكَ جميل .. منذ مدّة طويلة وأنا أتابعكَ. ولكنّكَ صَمَتَّ فجأة وأرى على وجهك حزناً شديداً .. لِمَ لَمْ تعد تغرّد؟
صوتها جميل، ولمست فيه صدقاً وحناناً أسراني
- سأكون بخير فلا تقلقي ..
- بل سأقلق ..
- تقلقين لأجلي؟ أنا؟ لماذا؟
لم تجبني ولكنّها ضحكتْ ..
- من أنتِ؟
- ستعرف فيما بعد أيّها الوسيم ..
ثم بعد صمت:
- هل تمانع إن اعتبرتكَ صديقي؟
- لا أمانع .. ولكنْ من أنتِ؟
- لا تتعجّل ما هو لكَ. ستعلم في الوقت المناسب
- على الأقلّ .. دعيني أرى وجهكِ
- لا
- هل سأصادق شبحاً؟
ضحكَتْ ..
- لستُ شبحاً .. هل تتكلّم الأشباح؟
- طيّب .. صفي لي نفسكِ لكي أكوّن لكِ صورة في خيالي عندما أتحدّث إليكِ
- أنا. مممممم. طيّب: أنا سمينةجدّاً .. قصيرة جدّاً .. سمراء جدّاً .. وريشي مثل (سلكة الجلي). هل تعرف (سلكة الجلي)؟
ضحكتُ
- لا بد أنّكِ تمزحين
- بل أتكلّم بكلّ جديّة .. هل يناسبك ذلك أم أرحل؟
- بل يناسبني فلا ترحلي.
2014/01/12
الزم هواك
للرّيحِ، إذْ تطأُ المخيّمَ والهوامشَ، دائماً، قصصٌ مخيفةْ.
فالرّيحُ، حينَ تزورُ عاصمةً، تكونُ وديعةً، وتدورُ بينَ قصورِها، تلقي السّلامَ على الحسانِ، وثغرُها الوضّاءُ مبتسمٌ، كما ثغرُ المضيفةْ
لكنّها، ما إنْ تشاهدْ خيمةً، أوْ كوخَ أرملةٍ تؤودُ صغارَها، حتّى تغيّرَ فجأةً أسلوبَها: ترمي إلى الوادي السّحيقِ قناعَها، وهدوءَها، تبدو تماماً مثلَ آلهةِ الأساطيرِ السّخيفةْ
للرّيحِ، يا ابنَ الكوخِ، أوْ إنْ شئتَ، يا ابنَ مخيّمٍ، أنيابُ ذئبٍ لمْ تكنْ أبداً نظيفةْ
للرّيحِ، يا هذا، نوايا، لمْ تكنْ أبداً شريفةْ
فالزمْ حيادَكَ، يا ابنَ أمّي، لا تكنْ طرفاً توظّفُهُ القبائلُ، حينَ تبحثُ عنْ وظيفةْ
الزمْ حيادَكَ، لمْ يكنْ أحدٌ بقربِكَ، حينَ كنتَ، وحينَ تصبحُ، ذاتَ فجرٍ، غايةَ الحممِ ”اللّطيفةْ“
كلُّ القبائلِ، يا ابنَ أمّي، حينَ جاعتْ، لمْ تجدْ لحماً سواكْ
كلُّ القبائلِ، يا أخي، شحدتْ عليكَ، ولمْ تجدْ منها سوى طعمِ الهلاكْ
كلُّ القبائلِ، حينَ تشحذُ سيفَها، حتّى تقاتلَ بعضَها، جعلتكَ للتدريبِ شاخصةً، وحينَ تسنُّ كي ترمي الرّماحَ، فلنْ تميّزَ مَنْ رماكْ
فالزمْ حنينَكَ للحبيبةِ، لا تبحْ إلا لنفسِكَ، يا ابنَ أمّي، فالقبائلُ لنْ تكونَ سعيدةً، أبداً، إذا عرفتْ هواكْ
الزمْ هواكَ، ولا تقلْ أهوى، فتُسمعَ، إنْ فعلتَ فلنْ تراهُ ولنْ يراكْ
فالزمْ هواكْ.
الزمْ هواكْ.
الزمْ هواكْ.
2014/01/11
سكوتك
سكوتكِ، قتلٌ بطيءٌ، مذلٌّ، شنيعْ.
كإيقافِ ريِّ الورودِ الّتي في الأصيصِ على عتبةِ النّافذةْ،
ومثلُ التوقّفِ عنْ وضعِ بعضِ الفتاتِ، وشربةِ ماءٍ،
لطيرٍ حكمتِ عليهِ بحبسٍ وضيعْ.
سكوتكِ، سيّدتي، لا تعاقبُ فيهِ القوانبنُ، طبعاً،
لأنَّ القوانينَ قدْ صُمِّمَتْ، في الأساسِ، وفي كلِّ تفصيلةٍ منْ تفاصيلِها، كيْ تمجّدَ هذا الدّمارَ المريعْ.
سكوتكِ حقٌّ، بحسبِ القوانينِ، أمّا صراخُ الّذي قدْ ذبحتِ بصمتكِ، فهْوَ مجرّدُ فوضى،
ستخبو بكلِّ هدوءٍ،
اذا ما انتظرتِ أفولَ الربيعْ.
سكوتكِ، حسبَ القوانينِ، مثلُ جميعِ الكوارثِ، ذو حكمةٍ لا نراها،
ولكنّنا، بعدَ أنْ تنجلي، نكتفي بالدّعاءِ،
ونجمعُ أنقاضنا والضّحايا،
نصلّي عليها صلاةَ الوداعِ بكلِّ خشوعْ
ونمضي ُبُعَيْدَ الصّلاةِ، لننسى،
ونوقفَ ريَّ الورودِ الّتي في الأصيصِ على عتبةِ النّافذةْ،
ونوقفَ وضعَ الفتاتِ، وشربةِ ماءٍ،
لطيرٍ حكمنا عليهِ بحبسٍ وضيعْ.
2014/01/07
زجاجات فارغة
- لماذا تحتفظين بكل زجاجات العطر الفارغة هذه؟
- من قال لك إنها فارغة؟ إنها مليئة بالذكريات!
2014/01/06
السمكة والصياد
”كنت سأكرهك كثيراً لو انك عجزت عن اصطيادي“ .. قالت السمكة للصياد. لاحظت الذهول على وجهه، فأضافت: ”ألم نخلق لكم؟“
2014/01/04
آويكسا
وأخيراً جاء المنخفض .. تراقص فرحاَ أولاد وبنات الذوات من طبقتي الهاي كلاس والوسطى (التي لم تتسخمط بعد)، (إشتغلت) التلفونات، تواعدوا أن يخرج كل منهم بسيارته الجديدة التي اشتراها له والده أو والدته، تواعدوا أن يلتقوا على شارع المطار، فالمنطقة في غاية الروعة في الظروف الإعتيادية فكيف إذا ما اكتست برداء أبيض كعروس؟
في نفس الوقت كان (فلان الفلاني) الذي يعمل حارساً في مزرعة (البيك) قد استحصل على إذن بالمغادرة لمدة أربع وعشرين ساعة يتفقد فيها أحوال زوجته وأطفاله، ويؤمنهم باحتياجاتهم من الخبز والسكر والكاز، على أن يعود بعد انتهاء تلك الإجازة الإضطرارية وإلا فـ (ما تورجيني وجهك) ..
كانوا بسياراتهم، وكان على قدميه، عندما أغلقت الشوارع والطرق لتراكم الثلوج، وجاءت اللحظة التي لم يعد فيها إمكانية للمسير ..
أولاد وبنات الذوات من طبقة الهاي كلاس، وأصدقاؤهم من أبناء وبنات الطبقة الوسطى (التي لم تتسخمط بعد)، (دبروا حالهم)، فمعظم سياراتهم كانت حديثة، وقادرة على المسير فوق الثلوج، جمعوا بعضهم فيها وعادوا أدراجهم إلى بيوتهم فيما بقيت السيارات الأخرى (مبحطة) حيث حاصرتها الثلوج.
تعبت قدماه من محاولة المسير، وتجمدت أطراف أصابع قدميه ورجليه. ألقى نظرة متفحصة حوله .. كان ثمة (فيلّا جميلة) على يمين الشارع، لها سور حجري جميل، وعلى الجهة الأخرى من الشارع كان ثمة مسجد صغير، ولكنه كان آية في البذخ والجمال، وكان من الواضح أن المهندس الذي صمم الفيللا هو ذات المهندس الذي صمم المسجد، تعززت استنتاجاته عندما قرأ على لوحة ذهبية على باب مدخل الفيللا اسم صاحبها (س) .. فقد كان هو ذاته نفس الإسم الذي تم حفره على حجر كبير فوق مدخل المسجد: بني هذا المسجد على نفقة المحسن الكبير (س) .. س؟ س؟ س؟ آه .. تذكرت .. إنه رجل الأعمال الذي ارتبط إسمه بـ .. ولكن؟ .. أستغفر الله العظيم. إن بعض الظن إثم .. عن جد في ناس بتنظلم زوراً وبهتاناً .. صحيح الزلمة عنده فيللا بالملايين .. بس .. والمسجد؟
أكيد إمي ولدتني في ليلة القدر .. هذا ما فكر فيه فلان الفلاني .. يا ألله يا كريم .. وضغط على جرس الباب ..
جاءه صوت أنثوي من الإنتركوم: مين؟
- أنا فلان الفلاني!
- شو بدك؟
- مقطوع وما في سيارات توصلني للبيت .. الله يفتحها بوجهك يا مدام.
- أنا الشغالة. استنى تا أحكي للباشا
* * * * * * *
- يا باشا .. في واحد على باب الفيللا وبيقول أنه إسمه فلان الفلاني
- شو بده؟
- بيقول إنه إنقطع بالثلجة وما في سيارات توصله على بيته.
- واللهي؟ شو أنا فاتحها وزارة تنمية اجتماعية ولا دفاع مدني؟
- سيدي أكيد هوه طمعان في عطفك وكرمك .. الزلمة مبين عليه على باب الله
- قلتيلي شو إسمه؟
- فلان الفلاني يا باشا
- طيب .. خليه يستنى تا اشوف شو قصته هاظ.
سكتت الشغالة .. كان السائق يستمع طوال الوقت ساكتا .. ولكنه هنا لم يستطع السكوت أكثر ..
- يا باشا .. من بعد إذنك يعني .. إذا بتسمحلي .. الروفر موجودة .. وبقدر أوصله وين ما بده .. هاظ إذا ما عندك مانع يعني
قاطعه الباشا: مش شغلك ..
سكت السائق.
اطلعوا بره. خلي الزلمة يستنى شوي .. لازم أعمل شوية إتصالات. قولوله ما يتحرك
- حاضر سيدي
بعد دقيقتين جاء الرد على الفاكس
”المذكور من عائلة كبيرة .. يوجد أكثر من مائة شخص بهذا الإسم، يرجى تزويدي بمعلومات أكثر عن المذكور لأتمكن من إجراء اللازم“
* * * * * * *
- الباشا بيقول لازم يعرف كلشي عنك عشان نقدر نساعدك
- يا جماعة ذبحتني الصقعة .. ارحموني .. شو بدكم تناسبوني انتو؟
- والله عاد أنا مجرد سائق ..
- طيب شو بدكم تعرفوا؟
- اسمك الكامل؟، عمرك؟، شو بتشتغل؟، وين ساكن؟
- طيب أنا ..
- أوكي .. ما تتحرك من مكانك .. وأول ما الباشا يقوللي أوصلك تكرم شواربك يا قرابة
- بس استعجلوا بحياة ألله .. رح أموت من البرد ..
* * * * * * *
لم تكن المعلومات التي تضمنها الفاكس الثاني مطمئنة للياشا .. فالمذكور له أخ ذهب للإتحاد السوفياتي السابق بغرض الدراسة بوساطة من (..)، وهناك تمركس، وانضم إلى (..) ولكنه انشق لاحقا وانضم إلى (..) ذات الإتجاه الإسلامي .. آخر معلومة وصلت عنه أن أحدهم شاهده يحمل السلاح في مخيم نهر البارد.
والمذكور له أخ آخر ذهب للدراسة في العراق أيام صدام بوساطة من (..)، وهناك انضم للحزب وتزوج من عراقية ولدت له ولدين .. ولد وبنت، لا توجد أي معلومات عنه منذ 2003.
الإبن الأكبر للمذكور متدين، كان طالبا في كلية الطب، لا معلومات عنه منذ أحداث رابعة ..
قلق الباشا .. وتحولت الفيللا إلى مركز اتصالات ..
* * * * * * *
بطريقة الكوبي بيست تناقلت المواقع الإلكترونية ذات الإتجاهات المختلفة خبرا مفاده أن الفيللا العائدة لرجل الأعمال الكبير (س) تتعرض لهجوم إرهابي .. ولكن بعض المواقع أضافت من عندها أن الرجل الذي لم تعرف هويته بعد قد حاول اقتحام الفيللا مرتديا حزاما ناسفا. بعض المواقع قال ان الشبهات تدور حول علاقة الرجل بجهات إسلامية، وبعضها قال ان الشبهات تدور حول علاقة الرجل بجهات قومية، في حين اتهم بعضها جهات يسارية .. سريعا صرحت (مراجع مسؤولة) في كل من تلك الجهات بأنه ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذا الأمر، وأن محاولة الزج بإسمها ما هي إلا محاولة من (البعض) لتشويه سمعة تلك الجهة من قبل أعدائها وخصومها السياسيين .. وفي الأثناء كانت الثلوج تتراكم وتتراكم .. وعلى مدخل باب السور الخارجي للفيلا كان ثمة رجل ثلجي .. رجل ثلجي بالقياس الطبيعي .. متكوما على نفسه وقد غطته الثلوج ..
2014/01/03
امرأتان
سمعتْ صوت المفتاح يدور في قفل الباب الخارجي، ثم صوت الكعب العالي في الممر، ها هي الخطوات تقترب من باب غرفتها، ثم صوت فتح الباب، وها هو شبح أنثوي يقف في فراغ الباب، صوت تكة زر مفتاح النور، ومن بين جفونها المرهقة من النور المفاجئ رأت ابنتها تنظر إليها ..
- ”يما .. إنتي صاحية؟“
- ”صاحية يما. ليش تأخرتي“
- ”مريت ع صاحبتي ودردشنا شوي .. أعملك عشا؟“
- ”ما ليش نفس“
ساد صمت .. نظرت إلى ابنتها .. إلى بنطلونها الضيق .. إلى بلوزتها التي يظهر منها نحرها وسنسالها الذهبي الذي ينتهي بأول حرف من إسمها .. الحرف الذي يستقر بين نهديها ..
تنهدت .. كم تغيرت يا صغيرتي .. سنوات خمس مرت على وفاة أبيك .. ولكنك كبرت فيها عشرين سنة .. أنت الوحيدة التي بقيت معي بعد وفاة أبيك وزواج إخوتك وسفرهم .. رسائلهم القليلة وإتصالاتهم الهاتفية ظلت تتباعد إلى أن اختفت .. قالوا إنهم سيأتون كل صيف .. نعم .. هذا ما قالوه حين سافروا .. ثم .. لا شيء ..
عادت بذاكرتها سنوات إلى الوراء .. لترى بخيالها ابنتها واقفة على سجادة بملابس الصلاة .. بكل خشوع تصلي .. تصلي .. تصلي .. كم كانت تشفق عليها لكثرة ما تصلي .. كانت تقول لها: ”إرحمي نفسك يا بنتي“ .. فتجيبها: ”اتركيني أصلي يا إمي .. مش بدك اياني أكون سعيدة؟ أنا هيك بكون سعيدة“ .. ولكن .. مع الأيام والشهور والسنوات .. اختفت السجادة وملابس الصلاة .. واختفت تلك النظرات القوية الواثقة المطمئنة .. اختفت مع اختفاء رسائل المسافرين وتلفوناتهم والمبالغ القليلة التي كانوا يرسلونها .. وصار راتبها الخجول هو كل ما لديهما لتأمين دواء أمها والضروريات من احتياجات البيت .. ثم .. صارت تتأخر بعد انتهاء ساعات الدوام لكي تشتغل (ساعات عمل إضافي) كما قالت .. في ذلك الوقت بدأت بارتداء البنطلون الضيق والبلوزة ذات الفتحة الواسعة .. قالت إن المدير هددها بطردها من العمل وتوظيف غيرها .. وبكت .. فسكتت الأم على مضض.
رن موبايلها: ”ألو؟ مين بيحكي؟ طيب؟ مين؟ مرسيدس سودا؟ أي ساعة؟ ماشي بس انتي كمان لازم تكوني موجودة. باي“
غابت قليلا، عادت بكأس ماء ..
- ”ماما .. هاي جبتلك المي .. خذي الدوا تبعك ونامي .. ما رح أتأخر“.
2014/01/02
بلالين
كم أعجبتني ألوان (البلالين) التي كان ينفخها أبي .. بلالين صفراء، وحمراء، وخضراء، وزرقاء، وبيضاء بلون الحليب ..
اقتربت منه ..
- يابا
- شو بدّك؟
- بدّي بلّون أحمر
- سدّ نيعك
انكمشت كقطّة، وبكيت ..
قالت أمي: يا زلمة إعطيه واحد .. من نفسه
ردّ عليها أبي: اسكتي بلا فلسفة
- يا زلمة بلّون واحد .. يعني عاجبك هيك فنست الولد؟
لم يردّ. استمرّ في نفخ البلالين .. وعندما انتهى قال لي: يالله قوم!
- وين؟
- قوم معي!
- عندي دراسة
- يعني رح تصير وزير يا فالح؟
قمت ..
على دوّار فراس وقفنا .. أعطاني قسما منها .. بلالين صفراء وحمراء وخضراء وزرقاء وبيضاء بلون الحليب ..
- شو أعمل فيها؟
- زي ما بتشوفني بسوّي سوّي ..
دقائق وحفظت الدرس ..
وصرت أركض بين السيّارات المتوقّفة على الإشارات الضوئيّة .. أنقر على زجاج السيّارات واحدة واحدة:
- فرّح إبنك بنص ليرة .. فرّح إبنك بنص ليرة .. فرّح إبنك بنص ليرة ..
نص ليرة
على عكس عمي (وجماعته) الذين كانوا يؤمنون بالتغيير التدريجي (من تحت إلى فوق)، على قاعدة (صلح اللي تحت بيتصلح اللي فوق تلقائياً)، كان أبي (وجماعته) يؤمنون بالتغيير الفوري، (من فوق إلى تحت)، التغيير الإنقلابي: أطح بالرأس، وضع رأساً آخر بدلاً منه، فبتحول الجسد كله إلى جسد ملائكي، والمجتمع كله إلى أفراد يشبه كل فرد منهم واحداً من الصحابة: فهذا سيشبه أبا بكر، وذاك سيشبه عمر، أو عثمان، أو علي. وأما قادة الجيش فسيكونون نسخاً من خالد وسعد وابي عبيدة وغيرهم ممن حفلت بأسمائهم كتب السيرة والتاريخ الإسلامي الزاهر .. أما بقية الرعية فسيكونون كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وعمار وأبي ذر .. كل ذلك بقدرة قادر .. بضربة واحدة .. بالصلاحيات المطلقة والقدرات الخارقة للخليفة ..
ولذلك كانت حياة عمي سهلة .. يسيرة .. هادئة .. مرفهة .. لا زلازل فيها ولا منغصات. أما حياتنا، أقصد أسرة أبي، أقصد أبي ومن يعولهم، أقصد أمي وأطفالها .. فكانت على النقيض تماماً.
كنت مع عمي في زيارة لأبي، عندما قال عمي لأبي: ”مهو إسمع تاقولك، أنا زلمة عندي عيال بدي أربيهم، وما بقدر أصرف على عيلتين، ومش مجبور ع وجع الراس اللي بدو ييجيني من تلاك“.
رد عليه أبي: ”شو قصدك يعني؟“.
فقال عمي: ”قصدي لازم تشوفلك حل“.
رد عليه أبي: ”أنو حل اللي بدك اياني أشوفه وأنا قاعد هون؟“
فقال عمي: ”والله عاد هظول ولادك وانت اللي مسؤول عنهم، وعقلك في راسك بتعرف خلاصك، استنكر واطلع وعيش زي ما كل هالناس عايشة“.
احتد أبي، واحتد عمي، وانتهى وقت الزيارة ..
على الباب الخارجي، أعطاني عمي نصف دينار، وقال لي: ”عمي أنا ما راح أقدر أوصلك ع داركم، هاي نص ليرة بتكفيك مواصلات من هون للبيت“
2014/01/01
2017
بحسبة بسيطة، وعلى اعتبار ان فاتورة الكهرباء الشهرية تبعت بيتك سنة 2013 كانت 100 دينار فإنها ستصبح لنفس الاستهلاك 107.5 دينار سنة 2014، ثم 115.562 دينار سنة 2015، ثم 124.229 دينار سنة 2016، ثم 133.546 دينار سنة 2017.
أي أن فانورة الكهرباء لمنزلك سترتفع بعد 4 سنوات بما نسبته 34%
واذا افترضنا ان تكاليف المعيشة لباقي السلع والخدمات سترتقع بنفس النسبة فهذا يعني ان محموع نفقاتك الشهرية سيكون 134% من نفقاتك الشهرية خلال 2013.
ومن جهة أخرى، فإن قانون ضريبة الدخل الجديد سيقنطع من دخلك نفس النسبة تقريبا، مما يعني أن دخلك سيصبح 66% من دخلك خلال 2013.
كمحصلة، فأن دخلك سيكون 66% ومصاريفك ستصبح 134%.
والنتيجة؟
والله لنكيف!