على عكس عمي (وجماعته) الذين كانوا يؤمنون بالتغيير التدريجي (من تحت إلى فوق)، على قاعدة (صلح اللي تحت بيتصلح اللي فوق تلقائياً)، كان أبي (وجماعته) يؤمنون بالتغيير الفوري، (من فوق إلى تحت)، التغيير الإنقلابي: أطح بالرأس، وضع رأساً آخر بدلاً منه، فبتحول الجسد كله إلى جسد ملائكي، والمجتمع كله إلى أفراد يشبه كل فرد منهم واحداً من الصحابة: فهذا سيشبه أبا بكر، وذاك سيشبه عمر، أو عثمان، أو علي. وأما قادة الجيش فسيكونون نسخاً من خالد وسعد وابي عبيدة وغيرهم ممن حفلت بأسمائهم كتب السيرة والتاريخ الإسلامي الزاهر .. أما بقية الرعية فسيكونون كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وعمار وأبي ذر .. كل ذلك بقدرة قادر .. بضربة واحدة .. بالصلاحيات المطلقة والقدرات الخارقة للخليفة ..
ولذلك كانت حياة عمي سهلة .. يسيرة .. هادئة .. مرفهة .. لا زلازل فيها ولا منغصات. أما حياتنا، أقصد أسرة أبي، أقصد أبي ومن يعولهم، أقصد أمي وأطفالها .. فكانت على النقيض تماماً.
كنت مع عمي في زيارة لأبي، عندما قال عمي لأبي: ”مهو إسمع تاقولك، أنا زلمة عندي عيال بدي أربيهم، وما بقدر أصرف على عيلتين، ومش مجبور ع وجع الراس اللي بدو ييجيني من تلاك“.
رد عليه أبي: ”شو قصدك يعني؟“.
فقال عمي: ”قصدي لازم تشوفلك حل“.
رد عليه أبي: ”أنو حل اللي بدك اياني أشوفه وأنا قاعد هون؟“
فقال عمي: ”والله عاد هظول ولادك وانت اللي مسؤول عنهم، وعقلك في راسك بتعرف خلاصك، استنكر واطلع وعيش زي ما كل هالناس عايشة“.
احتد أبي، واحتد عمي، وانتهى وقت الزيارة ..
على الباب الخارجي، أعطاني عمي نصف دينار، وقال لي: ”عمي أنا ما راح أقدر أوصلك ع داركم، هاي نص ليرة بتكفيك مواصلات من هون للبيت“