وأخيراً جاء المنخفض .. تراقص فرحاَ أولاد وبنات الذوات من طبقتي الهاي كلاس والوسطى (التي لم تتسخمط بعد)، (إشتغلت) التلفونات، تواعدوا أن يخرج كل منهم بسيارته الجديدة التي اشتراها له والده أو والدته، تواعدوا أن يلتقوا على شارع المطار، فالمنطقة في غاية الروعة في الظروف الإعتيادية فكيف إذا ما اكتست برداء أبيض كعروس؟
في نفس الوقت كان (فلان الفلاني) الذي يعمل حارساً في مزرعة (البيك) قد استحصل على إذن بالمغادرة لمدة أربع وعشرين ساعة يتفقد فيها أحوال زوجته وأطفاله، ويؤمنهم باحتياجاتهم من الخبز والسكر والكاز، على أن يعود بعد انتهاء تلك الإجازة الإضطرارية وإلا فـ (ما تورجيني وجهك) ..
كانوا بسياراتهم، وكان على قدميه، عندما أغلقت الشوارع والطرق لتراكم الثلوج، وجاءت اللحظة التي لم يعد فيها إمكانية للمسير ..
أولاد وبنات الذوات من طبقة الهاي كلاس، وأصدقاؤهم من أبناء وبنات الطبقة الوسطى (التي لم تتسخمط بعد)، (دبروا حالهم)، فمعظم سياراتهم كانت حديثة، وقادرة على المسير فوق الثلوج، جمعوا بعضهم فيها وعادوا أدراجهم إلى بيوتهم فيما بقيت السيارات الأخرى (مبحطة) حيث حاصرتها الثلوج.
تعبت قدماه من محاولة المسير، وتجمدت أطراف أصابع قدميه ورجليه. ألقى نظرة متفحصة حوله .. كان ثمة (فيلّا جميلة) على يمين الشارع، لها سور حجري جميل، وعلى الجهة الأخرى من الشارع كان ثمة مسجد صغير، ولكنه كان آية في البذخ والجمال، وكان من الواضح أن المهندس الذي صمم الفيللا هو ذات المهندس الذي صمم المسجد، تعززت استنتاجاته عندما قرأ على لوحة ذهبية على باب مدخل الفيللا اسم صاحبها (س) .. فقد كان هو ذاته نفس الإسم الذي تم حفره على حجر كبير فوق مدخل المسجد: بني هذا المسجد على نفقة المحسن الكبير (س) .. س؟ س؟ س؟ آه .. تذكرت .. إنه رجل الأعمال الذي ارتبط إسمه بـ .. ولكن؟ .. أستغفر الله العظيم. إن بعض الظن إثم .. عن جد في ناس بتنظلم زوراً وبهتاناً .. صحيح الزلمة عنده فيللا بالملايين .. بس .. والمسجد؟
أكيد إمي ولدتني في ليلة القدر .. هذا ما فكر فيه فلان الفلاني .. يا ألله يا كريم .. وضغط على جرس الباب ..
جاءه صوت أنثوي من الإنتركوم: مين؟
- أنا فلان الفلاني!
- شو بدك؟
- مقطوع وما في سيارات توصلني للبيت .. الله يفتحها بوجهك يا مدام.
- أنا الشغالة. استنى تا أحكي للباشا
* * * * * * *
- يا باشا .. في واحد على باب الفيللا وبيقول أنه إسمه فلان الفلاني
- شو بده؟
- بيقول إنه إنقطع بالثلجة وما في سيارات توصله على بيته.
- واللهي؟ شو أنا فاتحها وزارة تنمية اجتماعية ولا دفاع مدني؟
- سيدي أكيد هوه طمعان في عطفك وكرمك .. الزلمة مبين عليه على باب الله
- قلتيلي شو إسمه؟
- فلان الفلاني يا باشا
- طيب .. خليه يستنى تا اشوف شو قصته هاظ.
سكتت الشغالة .. كان السائق يستمع طوال الوقت ساكتا .. ولكنه هنا لم يستطع السكوت أكثر ..
- يا باشا .. من بعد إذنك يعني .. إذا بتسمحلي .. الروفر موجودة .. وبقدر أوصله وين ما بده .. هاظ إذا ما عندك مانع يعني
قاطعه الباشا: مش شغلك ..
سكت السائق.
اطلعوا بره. خلي الزلمة يستنى شوي .. لازم أعمل شوية إتصالات. قولوله ما يتحرك
- حاضر سيدي
بعد دقيقتين جاء الرد على الفاكس
”المذكور من عائلة كبيرة .. يوجد أكثر من مائة شخص بهذا الإسم، يرجى تزويدي بمعلومات أكثر عن المذكور لأتمكن من إجراء اللازم“
* * * * * * *
- الباشا بيقول لازم يعرف كلشي عنك عشان نقدر نساعدك
- يا جماعة ذبحتني الصقعة .. ارحموني .. شو بدكم تناسبوني انتو؟
- والله عاد أنا مجرد سائق ..
- طيب شو بدكم تعرفوا؟
- اسمك الكامل؟، عمرك؟، شو بتشتغل؟، وين ساكن؟
- طيب أنا ..
- أوكي .. ما تتحرك من مكانك .. وأول ما الباشا يقوللي أوصلك تكرم شواربك يا قرابة
- بس استعجلوا بحياة ألله .. رح أموت من البرد ..
* * * * * * *
لم تكن المعلومات التي تضمنها الفاكس الثاني مطمئنة للياشا .. فالمذكور له أخ ذهب للإتحاد السوفياتي السابق بغرض الدراسة بوساطة من (..)، وهناك تمركس، وانضم إلى (..) ولكنه انشق لاحقا وانضم إلى (..) ذات الإتجاه الإسلامي .. آخر معلومة وصلت عنه أن أحدهم شاهده يحمل السلاح في مخيم نهر البارد.
والمذكور له أخ آخر ذهب للدراسة في العراق أيام صدام بوساطة من (..)، وهناك انضم للحزب وتزوج من عراقية ولدت له ولدين .. ولد وبنت، لا توجد أي معلومات عنه منذ 2003.
الإبن الأكبر للمذكور متدين، كان طالبا في كلية الطب، لا معلومات عنه منذ أحداث رابعة ..
قلق الباشا .. وتحولت الفيللا إلى مركز اتصالات ..
* * * * * * *
بطريقة الكوبي بيست تناقلت المواقع الإلكترونية ذات الإتجاهات المختلفة خبرا مفاده أن الفيللا العائدة لرجل الأعمال الكبير (س) تتعرض لهجوم إرهابي .. ولكن بعض المواقع أضافت من عندها أن الرجل الذي لم تعرف هويته بعد قد حاول اقتحام الفيللا مرتديا حزاما ناسفا. بعض المواقع قال ان الشبهات تدور حول علاقة الرجل بجهات إسلامية، وبعضها قال ان الشبهات تدور حول علاقة الرجل بجهات قومية، في حين اتهم بعضها جهات يسارية .. سريعا صرحت (مراجع مسؤولة) في كل من تلك الجهات بأنه ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذا الأمر، وأن محاولة الزج بإسمها ما هي إلا محاولة من (البعض) لتشويه سمعة تلك الجهة من قبل أعدائها وخصومها السياسيين .. وفي الأثناء كانت الثلوج تتراكم وتتراكم .. وعلى مدخل باب السور الخارجي للفيلا كان ثمة رجل ثلجي .. رجل ثلجي بالقياس الطبيعي .. متكوما على نفسه وقد غطته الثلوج ..