2014/01/03

امرأتان

سمعتْ صوت المفتاح يدور في قفل الباب الخارجي، ثم صوت الكعب العالي في الممر، ها هي الخطوات تقترب من باب غرفتها، ثم صوت فتح الباب، وها هو شبح أنثوي يقف في فراغ الباب، صوت تكة زر مفتاح النور، ومن بين جفونها المرهقة من النور المفاجئ رأت ابنتها تنظر إليها ..

- ”يما .. إنتي صاحية؟“

- ”صاحية يما. ليش تأخرتي“

- ”مريت ع صاحبتي ودردشنا شوي .. أعملك عشا؟“

- ”ما ليش نفس“

ساد صمت .. نظرت إلى ابنتها .. إلى بنطلونها الضيق .. إلى بلوزتها التي يظهر منها نحرها وسنسالها الذهبي الذي ينتهي بأول حرف من إسمها .. الحرف الذي يستقر بين نهديها ..

تنهدت .. كم تغيرت يا صغيرتي .. سنوات خمس مرت على وفاة أبيك .. ولكنك كبرت فيها عشرين سنة .. أنت الوحيدة التي بقيت معي بعد وفاة أبيك وزواج إخوتك وسفرهم .. رسائلهم القليلة وإتصالاتهم الهاتفية ظلت تتباعد إلى أن اختفت .. قالوا إنهم سيأتون كل صيف .. نعم .. هذا ما قالوه حين سافروا .. ثم .. لا شيء ..

عادت بذاكرتها سنوات إلى الوراء .. لترى بخيالها ابنتها واقفة على سجادة بملابس الصلاة .. بكل خشوع تصلي .. تصلي .. تصلي .. كم كانت تشفق عليها لكثرة ما تصلي .. كانت تقول لها: ”إرحمي نفسك يا بنتي“ .. فتجيبها: ”اتركيني أصلي يا إمي .. مش بدك اياني أكون سعيدة؟ أنا هيك بكون سعيدة“ .. ولكن .. مع الأيام والشهور والسنوات .. اختفت السجادة وملابس الصلاة .. واختفت تلك النظرات القوية الواثقة المطمئنة .. اختفت مع اختفاء رسائل المسافرين وتلفوناتهم والمبالغ القليلة التي كانوا يرسلونها .. وصار راتبها الخجول هو كل ما لديهما لتأمين دواء أمها والضروريات من احتياجات البيت .. ثم .. صارت تتأخر بعد انتهاء ساعات الدوام لكي تشتغل (ساعات عمل إضافي) كما قالت .. في ذلك الوقت بدأت بارتداء البنطلون الضيق والبلوزة ذات الفتحة الواسعة .. قالت إن المدير هددها بطردها من العمل وتوظيف غيرها .. وبكت .. فسكتت الأم على مضض.

رن موبايلها: ”ألو؟ مين بيحكي؟ طيب؟ مين؟ مرسيدس سودا؟ أي ساعة؟ ماشي بس انتي كمان لازم تكوني موجودة. باي“

غابت قليلا، عادت بكأس ماء ..

- ”ماما .. هاي جبتلك المي .. خذي الدوا تبعك ونامي .. ما رح أتأخر“.