2014/06/28

إم العبد

كان الجو صيفاً .. وكانت درجة الحرارة داخل الشقة لا تطاق. على السطح عريشة، أحاطتها زوجتي بأواني زُرعت فيها نباتات مختلفة فتعطي جواً جميلاً للجالس تحت العريشة، من جهة، وتساهم، من جهة أخرى، في حجبه عن أعين المتطفلين من ساكني العمارات المجاورة .. العريشة مضاءة بلمبة نيون، مع أنني لا أستعملها لأنني أعشق الجلوس في الظلام فأَرى كل ما حولي دون أن أُرى ..

بعد الحادية عشرة ليلاً أحسوا بالبرد .. فنزلوا إلى الشقة يرتجفون ..

قال أبو عادل: وين إم العبد؟

أما إم العبد فلم يكن سوى (اسم الدلع) لابنته الطفلة رنا ذات الأربعة أعوام ..

كانت رنا موجودة ..

- هيوتني

كان يعلم أنها موجودة .. ولكنه أعاد السؤال:

- يا جماعة وين رنا؟ لا يكون خليتوها ع السطح نايمة؟

استغربت رنا .. فتحت عينيها على آخرهما ..

- هيوتنييييييييييييي!

دخلت أم عادل على الخط:

- ولك عادل .. اطلع شوف أختك لا يكون نسيناها على السطح

- ممممممممم .. لا .. ما كانت معانا على السطح .. يمكن نسيناها في الملاهي؟

زاد اتساع عينيّ رنا وبدأت تقفز وسط الغرفة

- يا ألله يا ألله .. هيوتني .. شو؟ مش شايفيني؟ هيوتنييييييييييييي!

قالت زوجتي:

- بالعسا عنجد نسيتوها في الملاهي .. محمد روح انتا ومأمون دوروا عليها .. حرام هسه بتكون تصروعت البنت

قمت (زي اللي عنجد) .. لبست .. وقام أبو عادل ولبس .. كنت لا أزال أحس بألم عضتها على مؤخرتي قبل سنوات فأردت الانتقام ..

- نروح بسيارتي

- لأ بسيارتي

وقفت رنا في الممر الضيق المؤدي إلى باب الشقة ..

اشتركت ديانا في اللعبة ..

- أنا جاي معاكم .. يا حرام يا رنااااااا

توقفت رنا عن النط في وسط الغرفة لإثبات الوجود، وبدأت رنا في البكاء ..

كان يجب أن نتوقف جميعنا عن التمثيل .. نظرنا جميعاً إلى رنا ..

- هه .. هاي رنا هون!

توقفت رنا عن البكاء .. ولكن نظراتها النارية أحرقتنا جميعاً

حبة زيتون

على ظهر (البكم) عشرة شوالات من الزيتون .. في طريقها إلى المعصرة .. في واحد من تلك الشوالات كانت حبة زيتون تحاول إقناع جاراتها بالهروب ..

- طب وإفرضي مسكونا؟ شو بيصير فينا؟

- نفس اللي راح يصير فينا لو ما حاولنا نهرب

- لا يختي .. بدك تهربي اهربي لحالك .. إحنا راضيات بقدرنا

- قدرنا شو يا هبلة؟ مين اللي قال انه قدرنا نروح فعص في المعصرة؟

- انتي قليلة إيمان .. لو عندك ذرة إيمان ما كنتي فكرتي بالهروب

كانت حبة الزيتون مصممة على الهروب .. كانت تشعر أنها لم تعش حياتها بعد .. هنالك الكثير مما يجب أن تراه وتسمعه وتستمتع به قبل أن تنتهي حياتها (إذا كان لا بد لها من الانتهاء) .. وفي كل الأحوال لن تموت فعصاً في معصرة ..

كانت قد حاولت أن تختبئ من عيون الصبايا اللواتي كن يقطفن الزيتون .. ونجحت في ذلك إلى حين .. ولكن عصا غليظة كسرت الغصن فوقع على الأرض .. التقطه طفل وأخذ يلهو به ..ولكن أمه انتهرته وانتزعت الغصن من يده فأخذ يبكي .. قطفت ما عليه من حبات زيتون وأعادت الغصن إليه .. فتوقف عن البكاء وواصل اللعب ..

كانت حبة الزيتون قريبة من ثقب في الكيس .. وساعدتها خضخضة البكم في الانفلات منه .. تدحرجت على أرضية ظهر البكم إلى أن وصلت إلى الحافة ..

- ولك إرجعي!

- أنا نازلة .. اللي بدها تلحقني

قفزت حبة الزيتون .. شعرت بالألم عندما سقطت على الأسفلت ولكنها كانت سعيدة .. سعيدة بالحرية .. بالنجاة من رحى المعصرة .. ما أجمل الحياة .. ما أجمل أن ترفضي وتقاومي وتنجحي في الانفلات من القدر .. أقصد ما تعتبره حبات الزيتون اللواتي ظللن في الأكياس قدرهن .. ما أجمل الحياة .. ما أجملها .. ما أجــــ ..

لم تكمل حبة الزيتون تغنيها بجمال الحياة .. فقد أصبحت .. دون أن تدري .. مجرد بقعة .. بقعة خضراء مسطحة تماماً .. ملتصقة بدولاب سيارة مسرعة .. سيارة مسرعة تقودها فتاة في طريقها إلى موعد مع الحبيب

* * * * * * *

شاهدت حبات الزيتون الأخرى ما حدث .. بكت بعضهن وارتفعت أصوات نحيبهن .. انعطف البكم بسرعة زائدة فتمايلت أكياس الزيتون .. قالت حبة زيتون، كانت الأقرب إلى الثقب:

- وأنا كمان نازلة ..

- ولك إنتي ما شفتي شو صار فيها؟

- شو صار فيها يعني؟ إللي صار فيها راح يصير فينا إذا ظلينا هون .. مش يمكن تزبط معنا؟

قالت حبة زيتون كانت منشغلة بالتسبيح طوال الوقت:

- إللي عملته حرام وما بيرضي ربنا .. إحنا انخلقنا للمعصرة .. هروبكم تمرد على قضاء الله وقدره ..

- بالعكس .. كانت شهيدة

- شهيدة شو؟ أصلاً عمري ما شفتها بتصلي .. قال شهيدة قال!

أخرجت حبة الزيتون المتأهبة للخروج من الثقب لسانها لها .. وقفزت وهي تقهقه

تدحرجت على أرضية البكم .. وصلت الحافة ..

- استني .. أنا كمان لاحقتك ..

- وأنا كمان ..

- وأنا كمان ..

تتابعت حبات الزيتون في الانفلات من الثقب فاتسع ..على حافة البكم وقفن .. قفزت الأولى .. ثم الثانية .. ثم الثالثة .. ثم تتابعت القافزات .. ولم يبق في الكيس سوى القليل .. شاهدت حبات الزيتون في الأكياس الأخرى ما يحدث فتشجع بعضهن .. وكانت خضخضة البكم قد أحدثت في كل كيس عدداً من الثقوب ..

راحت الكثيرات فعصاً تحت دواليب السيارات المسرعة .. ولكن بعضهن نجحن أخيراً في الوصول إلى الحافة .. بعيداً عن دواليب السيارات ..

* * * * * * *

بعد سنوات .. اندهش العابرون على ذلك الطريق لوجود عدد من شجيرات الزيتون على حافة الطريق .. وإلى الأسفل قليلاً امتدت غابة صغيرة من أشجار الزيتون .. في أرض لا تطؤها سوى أقدام العاشقين.

2014/06/25

ابتسامتها الخفيفة الغامضة

خليل هو الذي دله على هذا المكان .. ليلتها ابتدأت سهرتهما في الشقة التي يسكن فيها خليل .. في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فرغت الزجاجة، ولكن رغبتهما في المزيد دفعتهما للنزول بحثاً عن زجاجة أخرى .. كانت المحلات الثلاثة التي اعتاد خليل أن يؤمن منها حاجته من المشروب ولوازمه مغلقة ..

- اسمع .. أنا عازمك ..

- وين؟

- نكمل السهرة في صالة (..) .. حيث الخممممممممر والخضراااء والوجه الحسننننن .. شو رايك؟

لم تكن الصالة بعيدة كثيراً عن شقة خليل .. فذهبا إليها مشياً ..

هناك .. استقبلهما العاملون في الصالة بترحاب .. كان من الواضح أن خليل أحد زبائنهم المفضلين لأنهم أجلسوهما في مكان هادئ من الصالة .. وسرعان ما تمت خدمة الطاولة بزجاجتين من البيرة وصحون المزة .. في الجهة الأخرى المقابلة للنوافذ المطلة على الشارع رجلان وراقصة .. كان أحد الرجلين يغني والآخر يعزف فيما كانت الراقصة تتمايل مع اللحن والكلمات ..

قل للمليحة في الخمار الأسود / ماذا فعلت براهب متعبد / قد كان شمر للصلاة ثيابه / لما وقفت له بباب المسجد / فسلبت منه دينه / ويقينه / وتركته في حيرة لا يهتدي / ردي عليه صلاته وصيامه / لا تقتليه بحق عيسى وأحمد / ردي ردي / عليه ردي / ..

كانت الملابس التي ترتديها الراقصة (محتشمة) بالمقارنة مع ما ترتديه الراقصات عادة .. ربما لتتناسب مع كلمات الأغنية ..

لاحظ خليل استغراقه في النظر إلى الراقصة وتتبع حركاتها ..

- عجبتك؟

-ها؟ آه .. حلوة

- إسمها نادية .. بتقدر تقول صاحبتي .. أعرفك عليها؟

- يا ريت!

- تكرم عيونك! ولو! ميت طلب زي هالطلب

بعد انتهاء الوصلة أشار إليها خليل فجاءت .. جلست قرب خليل في مواجهته .. قام خليل بمهمة التعارف ..

- أبو حميد .. من أعز أصدقائي

- بس. يعني .. أول مرة بشوفه معك!

- أبو حميد مالوش في هالقعدات .. الزلمة، بعيد عنك، تبع حب عذري ..

ضحك خليل أما هي فابتسمت ابتسامة خفيفة .. واستمرت في حديثها الهامس مع خليل بينما تسترق إليه النظرات .. ثم استأذنت لوصلتها الثانية .. أما هو، فظل هائما في عينيها الحزينتين ..

* * * * * * *

هذه المرة جاء لوحده .. وهو الذي طلب من خليل أن يسهرا هنا .. ولكن خليل اعتذر بالصداع ورغبته في النوم باكرا ..

بعد أن انتهت من وصلتها جاءت لوحدها ..

- شو؟ وين صاحبك؟

- ممممم .. تعبان شوي

- لا والله سلامته .. احكيلي عنك ..

هذه المرة جلست فترة أطول من المرة الأولى .. ومع انتهاء زجاجة البيرة الثانية كانت القصيدة قد قاربت على البيت الأخير ..

- بقدر أشوفك بكرة؟

- أنا كل ليلة هون

- قصدي .. في مكان ثاني ..

ابتسمت ابتسامتها الخفيفة الغامضة التي أسرته في المرة الأولى ..

- صعبة ..

- في كلام كثير بدي احكيلك اياه

نفس الابتسامة ..

- احكي

- ما بينفع هون ..

- ما بقدر .. صعبة كتير

- نادية أرجوكي

- طيب بحاول .. ازا لقيت طريقة بخبرك

وتركته لأداء وصلتها الثانية ..

كانت وهي ترقص تنظر إليه .. وكان متأكداً أنها ترقص له .. له وحده ..

* * * * * * *

لم تأت في الليلة الثانية .. ولا الثالثة .. ولا الرابعة .. اتصل بخليل ..

- شو ياااااااا .. وين بطلنا نشوفك؟

- مشاغل

قهقه خليل طويلاً ..

- على كل .. نادية سألتني عنك

- ن ن ن نادياااااا؟

قهقه خليل مرة أخرى

- آه يا حبيبي .. ناديا .. ومالك هيك انخضيت؟

- لأ ولا إشي .. شو سألتك؟

- مين؟

- ن ن ناديا يا أخي؟

- ههههه

- خليل بلا ثقل دم. إحكي شو سألتك!

- ولك شو عامل للبنت إنتا؟

- أنا؟

- اتهبل يا حبيبي اتهبل .. لعاد إبن جيراننا؟ آه إنتا ..

- والله ما عملت إشي .. ليش شو قالتلك؟ زعلانة مني إشي؟ عشان هيك يعني ما إجت عالصالة من ثلاث تيام؟

- هههههههههههه

- خليل عنجد انتا لا تحتمل. سلام صديقي

وأغلق السماعة

رن التلفون مرة أخرى

- ليش سكرت الخط يا أهبل .. إسمع .. ناديا بدها تشوفك .. جنابك معك نسخة من مفتاح الشقة .. بكرة أنا رح أمغيب .. والساعة تسعة بتكون معاليك هون .. ماشي؟

- مش فاهم

- إنتا غبي ولا بتتغابى؟ يا روحي البنت معجبة فيك وحضرتي قاعد برتبلك موعد غرامي .. أشرحلك كمان ولا فهمت؟

* * * * * * *

قبل الساعة التاسعة ذهب إلى شقة خليل .. كانت القصيدة جاهزة .. سيجلس بقربها .. سيمسك يدها .. ستلقي برأسها على صدره وستبكي وسيمسح دموعها بأنامله .. وسيقبل عينيها .. وستبتسم ابتسامتها الخفيفة الغامضة ..

الساعة التاسعة والربع .. رن جرس الباب .. كانت نادية!

- هاي

- أهلا ن ن ن ناديا اهلا

- شو شووووووب .. افتح الشباك بليز .. بس طفي الضو بالأول ..

أطفأ النور .. فتح النافذة .. كان ضوء مصباح الإنارة على العمود من الجهة الأخرى من الشارع يتسلل من بين شقوق الستائر .. الآن سيستدير قيس ليجد ليلى تفك جدائلها فيما يتورد خداها بحمرة حياء العذارى ..

وقبل أن يستدير .. جاءه صوتها من غرفة النوم ..

- حمودتي .. هات البيرة وتعال .. بس بسرعة ما رح أقدر أطول معك كتير .. وراي شغل الليلة .. يللااااااا!

2014/06/23

غيم يمطرنا إن شاء

منْصورٌ في كتُبِ التّاريخِ، ويُهْزمُ في كلِّ الغزَواتْ

مكتملٌ لا أخطاءَ لهُ، وخطاياهُ (لوْ كانَ التاريخُ صحيحاً) تمْلأُ آلافَ الصفَحاتْ

وَلَهُ قلْبٌ يبكي للفقْمةِ إنْ ماتتْ جوعاً، لكنَّ الوضْعَ طبيعيٌّ جدّاً، إنْ ماتتْ سيّدةُ شَتَمَتْ شرْطيّاً راودها، في المعْتقلاتْ

يتحدّثُ ساعاتٍ عنْ شكْلٍ آخَرَ للدّيمقْراطيّةِ، مخْتلِفٌ عمّا في الغرْبِ الكافرِ، ألْفَ معاذَ اللهِ، يتناسبُ معَ راعٍ لا يعْرفُ طعْمَ النّومِ بتاتاً خوْفاً منْ ذئْبٍ أسْطوريٍّ يخْشى منْهُ على الغنَماتْ

هوَ سيّدُ هذا الكوْنِ جميعاً، لكنْ (لتواضعِهِ الموْروثِ عنِ الأجدادِ) يسامحُ غرّاً ضلّلَهُ شذّاذُ الآفاقِ عنِ الصّلَواتْ

هوَ غيْمٌ يمْطرُنا إنْ شاءَ، فحُقَّ لَهُ أنْ نرْفعَ آلافَ الدّعَواتْ

2014/06/21

مواصلات

خرجت من مكان عملي، لأعود إلى البيت بعد يوم عمل شاق. وقفت على الرصيف وأخرجت ما في جيب القميص من النقود وعددتها .. دينار .. دينارين .. مددت يدي إلى جيب البنطلون .. عشرة قروش .. عشرين .. ثلاثين .. خمس وثلاثين .. هذا يعني شطب خيار التاكسي .. مر التاكسي الأول وزمر تزميرة خفيفة .. طنشته .. مر الثاني و(ظوالي الفلشر) .. أشرت له بيدي بما يفترض أن يفهم منه أنني (لا أنتوي) ركوب التاكسي .. تذكرت (لا أنتوي) حسني مبارك وابتسمت ابتسامة خفيفة ..

مرت سيارة أجرة (سرفيس) .. زمر .. أشرت بيدي ورأسي بالموافقة ..

- ع دوار الداخلية؟

- إركب

ركبت .. وسارت السيارة ..

- كم الأجرة لو سمحت؟

- أربعين قرش

مددت له يدي بورقة الدينار .. أعاد لي، دون أن ينظر إلي، قطعة نقدية من فئة (النص دينار) .. وكرر نفس الشيء مع الركاب الثلاثة الجالسين في المقعد الخلفي ..

كان صوت الشيخ كشك على مسجل السيارة ..

- من المعززززززز؟

- الله!

- من المذللللللللللللللل؟

- الله!

- من الجبببببباااااااااااااااار؟

- الله!

- من المنتقم؟

- الله!

وصلنا دوار الداخلية .. ”تفضلوا شباب“ .. فنزلنا ..

على مقربة من دوار الداخلية، كانت هنالك عدة باصات في الانتظار .. باص للسلط .. وآخر للفحيص .. وأخر لصويلح .. ممتاز .. كلها تخدمني .. فأنا سأنزل على تقاطع الدوريات الخارجية ..

سألت الكونترول:

- صويلح؟

- اطلع

كان هنالك مقعد واحد فارغ قريب من الباب .. فجلست ..

سأل السائق الكونترول:

- كاملين ركابك؟

- توكّل يا معلم

- مين قدامنا؟

- حجّاج

- ايمتى طلع؟

- من ثلاث دقايق بس

(زَرّ) السائق على البنزين .. فلحق بباص حجاج قبل طلوع الجسر على دوار المدينة الرياضية ..

كان هناك العشرات من المنتظرين على الموقف أمام المختار مول ..

- اطلعوا شباب!

دخلت بنت ..

- شباب لو سمحتوا تقعدوا هالبنت!

قعدتها ..

- شباب لو سمحتوا الباص فاظي .. لجوه لو سمحتوا ..

خلال عشر ثوان كان الممر الضيق بين الكراسي قد امتلأ (بالشباب) ..

شغل السائق على المسجل أغنية بوس الواوا ..

وانطلق بسرعة لكي يسبق حجاج في (لمّ) الواقفين بالانتظار ..

- هات هالخمسة وثلاثين ..

قبل سنوات .. عندما كانت الأجرة (شلن) فقط .. كان السائق يقول للكونترول عندما يرى شخصا واقفا في انتظار الباص: هات هالشلن .. ثم تغير الإسم إلى: هات هالبريزة .. وظل يتغير ويتغير حتى أصبح هات هالخمسة وثلاثين ..

كانت الخمسة وثلاثين هذه المرة صبية ..

- اقعدي جنب البنات .. صبايا لو سمحتوا قعدوا هالصبية معكن

حشرت الصبية جسدها إلى جانب الصبيتين ..

عند تقاطع الدوريات الخارجية نزلت .. نزلت بصعوبة .. وكان العرق يتصبب من كل مساماتي ..

عددت ما تبقى معي من النقود .. (مية وخمسة واربعين قرش) ..

(ممتاز .. بيكفيني بهدلة .. بقدر هسه آخد تكسي للبيت) ..

وأخيراً وصلت أبو نصير ..

- نزلني هون لو سمحت ..

نظرت إلى العداد .. مية وخمسين قرش ..

مددت إلى السائق يدي بالأجرة .. ناقصة (شلن) ..

نظر إلي السائق بصمت .. كان في نظرات عينيه ما لم ينطق به لسانه .. تصببت عرقاً .. ونزلت ..

أمي: كل عامٍ وأنت حبيبتي

عندما اكتشفنا مرضها، حملنا الأوراق، وطفنا بها على كل أطباء الاختصاص ..

نظر الطبيب إلى أوراقها، وهز رأسه ..

- أنا آسف .. بس نتائج التحاليل والفحوصات بتقول إنو قدامها بالكثير ثلاث شهور ..

لم نيأس .. تمسكنا كالغريق بأية قشة ..

ولكن الطبيب الثاني والثالث والرابع وال .. الألف .. قالوا نفس الكلام ..

- أنا آسف .. بس نتائج التحاليل والفحوصات بتقول إنو قدامها بالكثير ثلاث شهور ..

- يعني ما في أمل يا دكتور؟

يعيد الطبيب تقليب الأوراق التي بين يديه ويقول ..

- الأمل دائما بالله .. لكن ..!

بعد أن يئسنا من الطب بدأ دور المشايخ ..

- شربوها حليب نياق ..

شربناها ..

- العسل ما في أحسن منه .. ربنا قال فيه شفاء للناس ..

جبنالها عسل ..

قال أبي: لا فائدة .. لا بد من الكيماوي

- بس .. بدنها ضعيف ويمكن ما تتحمل

سألنا الطبيب ..

- صحيح .. بس هي مجرد محاولة .. يمكن تزبط .. ويمكن تموت من الجرعة الأولى .. القرار قراركم على أي حال ..

قال أبي: ليكن ..

قلت: ستتعذب .. لن تستفيد .. ارحموها ..

قال أبي: حتى لو كان الأمل واحد بالألف ..

ولكنها ماتت من الجرعة الأولى ..

ولأنني ابنها الأكبر كان يجب أن أحملها بين يدي .. وأن أنزل معها إلى القبر .. وأن أنيمها على جانبها الأيمن .. وأن أكشف عن وجهها قليلاً .. وأن أضع الطوب .. وأن أهيل عليها التراب .. وأن أخرج لأقف على رأس متلقي العزاء ..

- عظم الله أجركم

- شكر الله سعيكم

عناق وقبلات .. وتربيت على الظهور والأكتاف ..

أمي: كل عامٍ وأنت حبيبتي

2014/06/20

روحانيات رمضانية

تذكرني تصريحات المسؤولين (هذه الأيام) بأن أجهزة الدولة على (أهبة الاستعداد) لرمضان اللي جاي وأن كل شيء سيكون متوفراً في رمضان في أسواق المؤسستين الاستهلاكيتين (المدنية والعسكرية) بتصريحات المسؤولين أيام عاصفة أليكسا بأن كل أجهزة الدولة وعلى رأسها الأمانة على (أهبة الاستعداد) للتعامل مع العاصفة ..

ومن فضائل الشهر الكريم أيضاً، أن ثلاثة أرباع الباصات، العاملة على كافة الخطوط والاتجاهات، يهبط على أصحابها وشوفيريتها وكونتروليتها في رمضان إيمان عجيب، فيأخذون الناس إلى العمرة (مجاناً لوجه الله) تاركين الناس طوابير وأكداساً في مواقف الباصات والسفريات، يتراكضون إلى أي باص يهبط عليهم من السماوات .. وقد يدخل بعضهم الباصات من شبابيكها .. وتتطاير الكتب التي يحملها الطلاب والطالبات، و (تتفغص) البندورة التي يحملها أرباب الأسر إلى زوجاتهم الصابرات .. وتسمع فنوناً من السباب والشتائم وترى ما لذ وطاب من الطوشات والشجارات

ومن فضائل الشهر الكريم، أن كل حوار قد ينقلب إلى (طوشة)، وأن كل سوء فهم هو مشروع (هوشة)، لأن الناس صائمون والصائم روحه في (مناخيره)، فلا تجادل أحدا وليكن شعارك (كل تأخيره وفيها خيره) .. أجل أي حوار، إلى ما بعد الإفطار، وثق أن الله لحكمة بالغة (لا نفقهها) قد جعل الليل بعد النهار

ومن فضائل الشهر الكريم، امتلاء مداخل المساجد بالمتسولين والمتسولات، فيمطرونك إن أعطيتهم بالدعوات، أو إن امتنعت عن إعطائهم باللعنات

ومن فضائل الشهر الكريم، أنهم يمازحونك، تارة يقطع الماء وتارة بقطع الكهرباء .. وتارة بهما معاً .. فتعيش أجواء رومنسية (بعد مشوارك المضني لجلب المياه) في أضواء الشموع ..

ومن فضائل الشهر الكريم، أن كل فضائياتنا تمتلئ بالحريم، في استعراض لما يفترض أنه ملابس، تتركك ذاهلاً عن كل ما حولك خالي الذهن من الهموم والمشاكل والهواجس

ومن فضائل الشهر الكريم أيضاً أنك لا تستطيع عمل أي شيء أو التركيز في أي شيء طوال النهار لخلو معدتك .. ولا تستطيع عمل أي شيء أو التركيز في أي شيء طوال الليل لامتلائها

ومن فضائل الشهر الكريم يا سيدتي: أن تقضي نصف النهار في الطبيخ ونصف الليل في جلي الطناجر والصحون ..

ومن فضائل الشهر الكريم، أن عزومة واحدة كفيلة بقصم ظهرك، وإفراغ جيبك .. وخاصة إذا عزمت أهل زوجتك وأهلك، وامتلأ مدخل البيت بالكنادر، وعام مطبخ البيت بالصحون والكاسات والطناجر .. فأكلوا وتمغطوا .. وتركوا أم العيال وحدها تلملم شظايا الأواني التي يكسرها الأطفال .. وتلبي طلبات الشاي والقهوة من النساء والرجال ..

ومن فضائل الشهر الكريم أن وراءه عيد، وفي الأعياد يستقبلونك بالأحضان والقبلات، فإذا ما أدرت ظهرك بدأت النميمة والاستغابات

ثري إن ون

منذ أن (زف) لي الطبيب (بشرى) إصابتي بالسكري، وأنا أتجنب ما استطعت ال(ثري إن ون) .. وبدلا من ذلك أبحث أنا، وتبحث لي زوجتي كلما ذهبت للتسوق (على القبضة)، عن أخيه الأصغر (تو إن ون) الخالي من السكر والمختفي منذ مدة من الأسواق لأسباب لا يعلمها إلا الله والذين أخفوه .. ولكن ذلك لا علاقة له بالقصة .. فهي لا علاقة لها بالسكري لا من قريب ولا من بعيد .. وبالإمكان شطب السطرين أعلاه من النص دون أن يتأثر، كثلاثة أرباع كلامنا العربي اليعربي، منذ أيام داحس والغبراء، إلى أيام داعش والمنطقة الخضراء .. فالهذر صفة عربية أصيلة عصية على الزوال ..

المهم .. ما علينا .. (نخش في الموضوع بأى وكفاية رغي) .. الموضوع، بكل بساطة، أن رمضان القادم هذا العام في (عز دين الشوب)، بدأت ملامحه في الظهور، فمحلات السوبرماركت بدأت منذ الآن في إخفاء بعض السلع، أقصد السلع المطلوبة في رمضان، لكي تظهرها (بالضبط) عندما يظهر فضيلة قاضي القضاة على شاشة التلفزيون ليعلن بعد مقدمة تستغرق ربع ساعة (إذا مش أكثر) أننا راقبنا الهلال ولم نره، لأن رؤيته متعذرة ومستحيلة فلكياً .. (ومع ذلك) (أعلن أن غداً هو اليوم الأول من شهر رمضان المبارك تضامنا مع السعودية - تحديداً - .. فكل عام وأنتم والأمتين العربية والإسلامية بخير) .. ولكن تلك السلع (طبعاً) ستظهر عليها (لابلات) بأسعار تتناسب مع (شهر الخير والعبادة والطاعات والقرب من الله) ..

عندها .. سننطلق (إذا كان الراتب وصل) إلى الأسواق .. ولأن رمضان كريم .. كريم إلى درجة الهبل الحاتمي الشهير .. لنخرج كل ما في جيوبنا .. ليستقر (بكل خشوع) في جيوب التجار .. بكرم يرفع سعر أي سلعة (لم تنفق) قبله و (لن تنفق) بعده - لرداءتها - إلى أربعة أضعاف سعرها الأصلي .. تدفعه وانت (بتلف السبع لفات) ..

2014/06/18

نقابة الفراشين

طردوني من العمل بعد أن أفنيت فيه عشرين عاماً من عمري .. نصحني البعض بالذهاب إلى النقابة ..

- بالكم بستفيد؟

- يا زلمة روح .. شو رح تخسر؟

* * * * * * *

رحت .. كانت نقابة الفرّاشين (نقابتي) تحتل غرفة من البريفاب، تم إلحاقها إلحاقاً بمجمع النقابات .. غرفة كانت يوماً ما كشكاً لصنع الشاي والقهوة وتقديمها لأعضاء النقابات الأخرى .. ثم حدث أن صانعي القرار قرروا أن من مصلحتهم أن يكون لكل مهنة نقابة، لها مجلس (منتخب)، فاستحدثت نقابة الفراشين فيما استحدثت من نقابات ..

ومنذ ذلك الوقت .. وبشكل موسمي، اهتم كثير من زملاء المهنة بمحاولة (إقناعي) بأهمية انضمامي للنقابة والتصويت لهم في الانتخابات .. ولكن ما تراكم في ذاكرتي من قصص الاستدعاء والتحقيق والفصل من العمل حال دون نجاح هؤلاء وأولئك .. وهؤلاء وأولئك هم طيف طويل عريض من حملة الشعارات واليافطات .. إسلاميون وإسلاميون وإسلاميون وبعثيون وبعثيون وناصريون وقوميون وماركسيون وقوميون تمركسوا وماركسيون تأسلموا .. إلى ما هنالك من تنظيمات وانشقاقات عن التنظيمات وانشقاقات عن الانشقاقات .. ولو سألت أي منتسب لأي منها عن الفرق بين جماعته وأية جماعة أخرى غيرها لما أجابك إلا بسيل من الشتائم والاتهامات وخصوصا لمن كانوا يوما جزءا من جماعته ثم نبتت لهم شوارب فاستقلوا عنها ..

* * * * * * *

همس الجالس على يساري في أذني: مرحبا رفيق .. أول مرة بتيجي ع النقابة؟

- آه .. أول مرة ..

- كنت مسافر برة البلد رفيق؟

- عمري ما سافرت برة البلد .. إلا مرة واحدة طلعت فيها عمرة

- آآآه .. قلتلتي عمرة؟ ما علينا .. ليش جاي عالنقابة؟

- طردوني من الشغل وفي ناس قالولي يمكن النقابة تساعدني

- مين اللي قالولك؟ أكيد إخونجيه صح؟

سكتت ..

- أنا متأكد إنهم إخونجية خيو .. بس بحب أقلك لا تتأمل يساعدوك إذا ما كنت من جماعتهم ..

مرت من أمامنا (مُزّة) .. فنسي (الرفيق) الموضوع ونسيني ..

* * * * * * *

تقدم مني شاب ملتح ..

- طلباتك أخي الكريم؟

- طردوني من الشغل .. و ..

- أخي الكريم .. أنا قصدي شو بتحب تشرب؟ شاي؟ قهوة؟ بيبسي؟ عصير؟

- شاي .. كاسة شاي

- واحد شاي لطاولة 14 وصلحوووو ..

* * * * * * *

ناديت الشاب ..

- بتحب تشرب إشي ثاني أخي الكريم؟

- لأ .. بس بدي أسألك .. أنا طرودني من الشغل .. في حدا هون ممكن يساعدني؟

- بدك تستنى مجلس النقابة تا يرجعوا من المؤتمر؟

- أي ساعة بيرجعوا؟

ضحك الشاب ..

- لأ بدك تستنى شوي .. المجلس في مؤتمر تضامني في السودان

- يعني إيمتى أرجع؟

- غيبلك شهر زمان ..

* * * * * * *

غبت شهرين زمان ..

لم أجد الشاب الملتحي .. تقدم مني الرجل الذي كان جالساً على يساري عندما جئت في المرة الأولى ..

- طلباتك رفيق؟

- طردوني من الشغل .. و ..

- رفيق .. أنا قصدي شو بتحب تشرب؟ شاي؟ قهوة؟ بيبسي؟ عصير؟

- شاي .. كاسة شاي

- واحد شاي لطاولة 14 وصلحوووو ..

هذه المرة .. كان مجلس النقابة في مؤتمر تضامني في موزمبيق ..

2014/06/17

على كيفتش

على كيفتش يَ حُورِيَّةْ

وْيَ رِيمِنْ بالفَلا عاصي

يَ مُهْرَة تْشَرِّفِ الخَيَّالْ

إذا مَ اخْتالَتِ الفُرْسانْ بِفْراسي

إذا نْسِيتي كَلامِ الليلْ

تَراني لِسَّه مِشْ ناسي

وِذَنْتِي خُنْتي إِحْساسِتْشْ

أنا ماخُونْ إِحْساسي

وِذَنْتِي كِلْمِتِتْشْ شِكْلينْ

كلامي صَبِّةِ رْصاصي

مَ غَيِّرْ كِلْمِتي حَتَّى

وَلَوْ عا قَطْعِةِ الرّاسي

على كِيفِتْشْ يَ بِنْتِ النّاسْ

تَرانِي بَرْظُو بِنْ ناسي

وْترا ما يِقْبَلِ الإِذْلالْ

أبَدْ إلا الرَّدي الخاسي

لا تنفعل

لا تندهشْ ..

يا سيدي الذي له أسررْتُ مرةً هوايْ

إذا صمتُّ أشهراً ..

فأنتَ دائي مرةً ..

ومرةً دوايْ

وأنتَ لمْ تكنْ سوى أرجوحةٍ ..

أحلُّ مرةً حبالَها .. ومرةً أعيدُ ربطَها ..

أكادُ أنْ ألامسَ الترابَ مرةً بها ..

ومرةً أكادُ أنْ ألامسَ الغيومَ في سمايْ

لا تكتئبْ ..

فكلُّ منْ ظنّوا رموشي - قبلَكَ - الحياةَ أمسَوا في الثرى قتلايْ

لا تنفعلْ ..

يا سيدي ..

فإنْ غضبْتَ أوْ رضيتَ سيدي ..

فقهوتي في الحالتين راضيةْ ..

ولن يضيرَ قهوتي ..

إذا التي قدْ أوصلَتْها للشفاهِ سيدي

يسراي أو يمنايْ

2014/06/16

نصوص هاربة

أفتح اللابتوب .. تأتيني فكرة لنص ما .. دننننننننننج .. أستعيذ وأبسمل .. أكتب سطراً ونصف وقبل أن أكمل السطر الثاني ..

- محماااد!

أهرول باتجاه المطبخ ..

- كيس الزبالة مليان .. بتقدر تنزله ع الحاوية؟

أحمل الكيس وأنزله إلى الحاوية .. أعود بوجه أحمر وأنفاس متقطعة .. أنظر إلى ما كتبت .. أحاول مواصلة الكتابة .. ولكن .. أين الفكرة؟ .. طارت الفكرة .. بحححح!

أمسح ما كتبت ..

تأتيني فكرة ثانية لنص آخر .. دننننننننننج .. أستعيذ وأبسمل .. أكتب سطراً ونصف وقبل أن أكمل السطر الثاني ..

- محماااد!

أهرول باتجاه المطبخ ..

- جرة الغاز خلصت ..

أعود إلى النص .. أنظر إلى ما كتبت .. (بشرفك عنجد عنجد كنت ناوي تكتب عن داعش يا مشحر؟ وإفرض مثلاً .. مثلاً يعني .. إنهم صاروا قاب قوسين أو أدنى من حضرتك؟ شو راح يصير فيك؟ وليييييي .. لأ يا عم .. يا روح ما بعدك روح!)

أمسح ما كتبت .. (إكتب يا ولد عن الحب والغرام .. شو بدك بداعش وقرايبها؟ أصلاطن من غير داعش مش خلصان .. كيف مع داعش يا أهبل؟)

أجلّس المود تبعي إلى مود الحب والغرام .. دننننننننننج .. أبدأ الكتابة بنيّة القصة .. وإذ بالكلام يخرج مدوزناً (غصب عني) .. البيت الأول .. (وااااااااااو .. يا ولااااا .. والله بيطلع منك مرات .. طب ممتاز .. كمل ..)

- محماااد!

أهرول باتجاه المطبخ ..

- إلك روحة ع السوبرماركت؟

أنزل إلى السوبرماركت ..

- عندك كذا؟

- لا والله يا جار .. ألله جبر .. آخر حبة أخدها زبون قبل 5 دقايق

ولأن العودة إلى البيت بدون الكذا من السبع الكبائر أنبش السوق نبشاً إلى أن ألاقيه .. وأعود بوجه أحمر وأنفاس متقطعة .. أنظر إلى ما كتبت .. (عنجد عنجد إنك مسقع وبارد وجه .. بالله عليك من كل عقلك كنت ناوي تكتب عن الحب والغرام؟ طب شو خليت للمراهقين وبتوع الجِلْ والجالاكسي؟)

أمسح ما كتبت ..

(أحسن إشي يا ولد حط لايكات عن جنب وطرف .. ومش ممنوع تكتبلك كومنت هون ولا هون .. كله بينفع .. مهي الدنيا قرظة ودين يا إبني ..)

2014/06/15

غسيل أموال

كنت غاطساً في العمل عندما رن موبايلي .. كانت ابتسام ..

- مرحبا!

- يا هلا!

- محمد .. انت ضايعلك مصاري إشي؟

فكرت ..

انا ضايعلي مصاري؟ انا ضايعلي مصاري؟ انا ضايعلي مصاري؟ ..

- لأ .. مش متذكر إني مضيع مصاري .. ليش؟

- لإني لقيت ثلاثين ليرة .. وقلت أسألك بلكي انتا مضيعهم ..

- وين لقيتيهم؟

- بالغسالة .. واقعات بالغسالة .. لقيتهم بالغسالة بعد ما طلعت الأواعي منها عشان أنشرهم ..

زوجتي تغسل يوم الإثنين .. اليوم الوحيد الذي اعتدنا أن تصلنا فيه المياه كل أسبوع ..

- مممممممم .. بيكونوا واقعات من جيبة بنطلون أو قميص لما غسلتي الأواعي مبارح ..

- لا .. الأواعي غسلتهم مبارح .. اليوم غسلت أواعيي أنا ومريول ديانا .. غسلتهم اليوم ..

أهلاً .. يعني .. لا أمل

- طيب يللا مبروك .. إذا تلفانين اعطيني إياهم ببدلك إياهم بكرا من البنك ..

- لا شو تلفانين .. محلاهم نضفوا وصاروا يوجّو وجّ ..

تذكرت قصة حكتها لي زوجتي .. حدثت معها في طفولتها ..

- كان في مكتبة بطريقي من البيت للمدرسة .. كنت أحب أمر عليها كل يوم وأشتري أنا وأختي أشياء .. في يوم شفت قلم حبر سائل .. كثير حلو .. أعجبني .. وصممت أشتريه

- طيب؟

- كانت إمي نايمة .. فتحت جزدانها وطلت دينار وسكرت الجزدان ولا من شاف ولا من دري

-أهلاً .. وبعدين؟

- اشتريت القلم .. كان حقه 250 فلس أو 300 فلس .. المهم .. حطيته بمريولي بشكل بارز .. علقته كأنو ميدالية عشان صاحباتي بالمدرسة يشوفوه

- وبعدين؟

- هسه صارت المشكلة المصاري اللي زادوا .. باقي الدينار .. كيف بدي أشتري أشياء زاكية بدون ما حدا يشك بمصدر المصاري

ضحكت ..

-غسيل أموال يعني؟

- آه ..

- وشو عملتي حتى تغسلي باقي الدينار؟

- فكرت .. ووصلت لطريقة ما حدا ممكن يشك فيها أبداً ..

- وشو هي؟

- ولا إشي .. خبيت المصاري في الرمل .. وزعتهم ثلاث أقسام .. شوي هون .. شوي هون .. والباقي (القسم الأكبر طبعاً) هون .. وعلمت الثلاث مكانات بعيدان الأسكيمو ..

- وبعدين؟

- ناديت أختي وأخوي .. يللا نلعب برة؟ .. آه يللا .. تعوا نلعب بالرمل .. نلعب بالرمل ..

أخذتهم للمكان اللي خبيت فيه الفلوس ..

احفروا هون .. حفروا هون .. أخوي لقي 100 فلس .. يعني عشر قروش .. كنت أعرف أن أخوي راح يلاقي 150 فلس .. يعني خمسطاشر قرش .. إحفر يمكن تلاقي كمان .. حفر كمان ولقي باقي حصته .. إحفري انتي كمان هون .. يمكن تلاقي انتي كمان .. حفرت .. ولقيت مصاري .. حصتها .. خليني أحفر أنا كمان .. يمكن ألاقي مصاري زيكم .. حفرت في المكان الذي خبأت فيه القسم الأكبر .. حصتي أنا .. يا سلاااااام .. هسه بنقدر نشتري شو ما بدنا

رجعنا للبيت .. يما يما .. شوفي شو لقينا في الرمل؟ انبسطت أمي ..

اشترينا كل اللي نفسنا فيه .. وطبعا أنا إشتريت أكثر .. مهو رزقتي كانت أكثر .. نصيبهم .. شو أسويلهم يعني؟

- آه فعلاً .. معاكي حق والله .. الدنيا أرزاق ..

حق العنوان

تجتهد إبتسام في اقتراح أفكار لنصوص قصصية جديدة ..

- ليش ما تكتب عن سوبرماركت حليم؟

(أطعج) رأسي إلى اليمين .. أغلق إحدى عينيّ (اليمنى غالباً) .. أهز رأسي يميناً ويساراً .. تفهم هي أن الاقتراح (مش عاجبني) ..

- طيب بلاش .. إكتب عن الباص اللي قطعكم شهر ونص!

(أطعج) رأسي إلى اليمين .. أغلق إحدى عينيّ (اليمنى غالباً) .. أهز رأسي يميناً ويساراً .. تفهم هي أن الاقتراح (مش عاجبني) ..

- أقلك؟ إكتب عن ..

- طب بلاش .. إكتب عن ..

أقول لها: خليها تنضج على مهلها .. كل إشي بوقته حلو

وأبتسم ..

هذا النشاط في تقديم الاقتراحات لنصوص قصصية جديدة، بدأ عندما قرأت عليها نصا كنت قد كتبته ..

- شو عنوانه؟

- لسه ما حطيت عنوان

- ليش؟

- محتار ..

- شو رايك بعنوان كذا؟

(طعجت) رأسي إلى اليمين .. أغلقت إحدى عينيّ (اليمنى) .. (هزيت) رأسي يميناً ويساراً .. فهمت هي أن الاقتراح (مش عاجبني) ..

- طيب عنوان كذا؟

لم (أطعج) رأسي .. أعجبني العنوان ..

- كثير حلو!

مدت يدها اليمنى ..

- هات؟

- شو؟

- حق العنوان!

- ليرة .. منيح؟

- شو بخيييييييييييييل! ليرة؟ عنوان بليرة؟

بدأنا المساومة ..

- طيب 3 ليرات؟

- لأ عشرة!

- خمسة .. ولا فلس زيادة ..

- طيب هات!

استلَمَت الخمسة ..

واستلَمَتْني

2014/06/14

بطولات فيسبوكية

وبْتسْألْني شو يللّي صارْ؟

إوْعكْ تسْألْ يا خيّي

ستّي وستّكْ ع الدّوارْ

منْ طلْعة الصبْحيّةْ

بْيحْتجّوا على الأسْعارْ

والكهْربا والميّةْ

واحْنا بْنتْخبّى عالفيسْ

بْنعْملْ كلّ البطولاتْ

بالأسْماء الوهْميّةْ

وبْننْسى أنْهار الدمّْ

وبنْتابعْ كاس العالمْ

وبْناكلِ مْلوخيّةْ

ولمّا بْنطْلعْ برّا الدّارْ

ولوْ صادفْ مرق المخْتارْ

بنْبلّشْ رقْص وتسْحيجْ

وبْنضْربْلو تحيّةْ

عاليها واطيها

لمّا الحرامي يصيرْ

محمي بشرطيها

ولمّا البشرْ تنْبسطْ

ع البعْبصة فيها

بْترْفعْ ايديكْ للسّما

وراسكْ بتحْنيها

وتْقولْ لربّكْ سطرْ

منْ كلْمتين وْبسّْ:

يا ربّي يا جبّارْ

عاليها واطيها

2014/06/13

سندريلا

”س“ محظوظ جداً .. في التوجيهي، ومع أنه حصل على معدل عالي نسبياً، إلا أن زملاءه الذي كانت معدلاتهم على حواف الستين، بفارق علامة أو علامتين صعوداً أو نزولاً، حصلوا على بعثات دراسية على حساب هذه الجهة أو تلك، ودرسوا الطب أو الهندسة، فيما حصل هو على (بع ..ة) غير دراسية، واضطر إلى الاستمرار في عتل الباطون ليؤمن أقساط رسوم دراسته في كلية مجتمع متوسطة، وبعد أن تخرجوا عادوا ليصبح بعضهم مسؤولاً عنه في الدائرة التي يشتغل فيها، يوقعون له طلب الإجازة أو المغادرة، يوافقون أو لا يوافقون، ويؤخذ رأيهم في مدى كفاءته ومقدار العلاوة السنوية التي سيحصل عليها ..

ولأن ”س“ طموح جداً، قرر أن (يجسّر) .. سجل في إحدى الجامعات، دراسة مسائية، وهناك (بدّع) وأبدع، فلفت نظر (سندريلا)، التي كانت تبحث عن شخص مثله، تجلس معه ساعتين أو ثلاث، قبل كل امتحان، لتتفرغ فيما بقي من وقت لممارسة هواياتها في (جمع) الطوابع والأصدقاء، والذهاب كلما أمكن إلى السهرات والندوات والحفلات والرحلات ..

في مشروع التخرج، حصلت سندريلا و ”س“ على نفس العلامة تقريباً .. بفارق بسيط لصالحه، لأن الدكاترة المشرفين على المشروع لمسوا لمس اليد أن كل معلومات سندريلا عن الموضوع لا تتعدى ما استطاعت أن تلتقطه من ”س“ قبل الدخول للمناقشة بساعة، وهي تتفقد، متأففة، ما على موبايلها من (مسجات) ..

بعد حفلة التخريج مباشرة، التقت عيونهما وهي تركب سيارة الدكتور ”ع“ .. أحد دكاترة الجامعة الذي تحول فجأة من شخص (غليظ) تكرهه كراهية شديدة، لم يعرف لها سبباً (في الأسابيع الأولى من مسيرتها الجامعية)، إلى (صديق رائع وجميل جداً .. ما كانش ممكن أعرف أنام مبارح إلا بعد ما اتصلت بيه وسمعت صوته) ..

مرت عشر سنوات لم يسمع فيها ”س“ من سندريلا أو عنها .. إلى أن أضطر للذهاب إلى الجامعة للحصول بشكل مستعجل على بعض الأوراق التي تخصه .. وكان يجب أن يراجع كلا من العميد ورئيس القسم للحصول على توقيعهما على تلك الأوراق ..

قالت له السكرتيرة أن الدكتور ”ع“ مسافر خارج البلد ولن يعود قبل أسبوعين ..

- وعموما بتقدر اذا بدك تفوت على رئيس القسم بلكي قدرت تساعدك ..

أدخلته السكرتيرة إلى مكتب رئيس القسم .. كانت سندريلا .. الدكتورة سندريلا ..

رفعت عينيها عن موبايلها .. ونظرت إلى القادم ..

- أنا وقعتلك الأوراق .. بس الدكتور ”ع“ مش موجود .. مسافر .. ومش ح يرجع قبل أسبوعين

- مش ممكن نائب العميد يوقعها يا .. دكتورة؟

-للأسف هاي بالذات من صلاحيات العميد بس .. ارجع بعد أسبوعين .. ويفضل تتصل مع السكرتيرة قبل ما تيجي عشان تتأكد إنو موجود ..

كان واضحاً أنها اعتبرت الموضوع منتهياً .. لأنها لفّت الكرسي الدوار نصف دورة، وعادت تقلب في موبايلها.

أغرب موقف

أغْربْ موْقفْ ..

ممْكنْ يحْصلْ ..

اللّي ضحّكْتو يْبكّيكْ

وإللّي فردْتلّو جْناحاتكْ

منْ فوق الغيم بيرْميكْ

والّلي داويتلّو جْروحهْ ..

بالسّكّين نفْسو بْيرْديكْ

واللّي حطّيتو في عْيونكْ

بالذّات بْيتْمقْطعْ فيكْ

وحاربْت الدّنيا على شانو

بيصالحْها ويعاديكْ

أغْربْ موْقفْ .. إنّكْ لسّه ..

بْتسْتنّى ييجي يْراضيكْ

بيسْتاهل كلّ اللّي بْيجْرالو

اللّي غباؤهْ زيّ غباءكْ

الله يْديمو ويْخلّيكْ

2014/06/12

مصباح علاء الدين

- شو هاظ يا ستي؟

- هاظ؟ هاظ مصباح علاء الدين يا ستي.

- مين علاء الدين؟

- علاء الدين؟ .. هاظ يا ستي .. الزلمة اللي بالحتشاية

كنت أعلم أن (الحتشاية) هي (الحكاية) .. وكنت أعلم أن خالاتي وعماتي وكل أهل البلد يسمونها (الخريفية) ..

- خرفيني اياها يا ستي.

- صحيح انك كلك غلبة .. حل عن سماي مش فاظيتلك هسه

لم تقل لي ستي (كثير غلبة) .. بل (كلك غلبة) ..

لم أسمع ستي أبداً تنطق حرف الراء .. وكانت تتجنب بعبقرية لا ينكرها أحد أي كلمة فيها حرف الراء .. وكانت تستطيع أن تدبر حالها بكلمة بديلة أو أكثر تخلو من حرف الراء .. قبل زواج أمي من أبي (في فترة الخطوبة) كانت تناديه (ابن الشيخ خليل الوسطاني)، أما بعد زواجه فأضافت إلى خياراتها أن تسميه (جوز هدى)، وبعد أن (شرفت) أنا صارت تسميه (أبو محمد) ..

* * * * * * *

كانت ستي تعيش لوحدها في (البلد) .. فقد ترملت سنة 48 .. وكان زوجها (سيدي) خيّالاً .. صورته وهو على الفرس (والبارودة معلقة على كتفه) لا تزال معلقة على الحائط في (صدر الدار)، زوجت بناتها وسافر أولادها إلى ألمانيا طلباً للرزق فظلت وحيدة تنتظر زيارات بناتها وأولادها في الأعياد والمناسبات .. وخاصة من تعيش منهن في بلد بعيد كأمي ..

* * * * * * *

ما علينا .. أعجبني ذلك المصباح .. وأعجبني أكثر (فستانه) المشغول من الخرز الصغير الملون .. ألوان كثيرة بلون قوس قزح .. حمراء .. بيضاء .. صفراء .. زرقاء .. خضراء .. وكانت ستي تلبس المصباح ذلك الفستان كل يوم صباحاً بعد أن (تحممه) وتغسل زجاجته .. قررت أن أحصل عليه بأي طريقة ..

- ستي؟

- آه يا ستي؟

- إعطيني إياه.

- شو هو اللي بدك أعطيك إياه؟

- مصباح علاء الدين

- تا تطول (= تكبر) بعطيك اياه ..

* * * * * * *

قررت أن أكبر بسرعة لأحصل على مصباح علاء الدين .. دخلت إلى البيت وفتحت (الشنتة) وأخرجت أحد بنطلونات أبي ولبسته بدلاً من الشورت القصير الذي كنت ألبسه .. كان البنطلون واسعاً وطويلاً ولكنني أقنعت نفسي أنها ستصدقني

- ستي ..

- أه يا ستي؟

- هيني كبرت .. إعطيني إياه ..

- ولك شو اللي أعطيك إياه؟

وبعدين مع هال(ستي) هاي؟

- مصباح علاء الدين يا ستي!

- يا منعون الخواص (= يا حريك الحرسي .. ولكن بلغة ستي المعادية لحرف الراء) .. ولك حل عن سماي كلتلك ..

حليت عن سماها .. ولكنني - إلى الآن - أحلم بالحصول على مصباح علاء الدين و(فستانه) المشغول من الخرز الصغير الملون .. بألوان قوس قزح ..

2014/06/11

تعيشوا وتزبّلوا

خرجت اليوم صباحاً من شقتي للذهاب الى العمل، كعادتي كل يوم .. التقت عيناي بعيني جاري (الباب قبال الباب) .. تبادلنا التحية الصباحية المعتادة التي تتبادلها مع جارك ويجب بعدها أن ينظر كل منكما في اتجاه آخر .. إلا أنه عاد ليحدق بي .. نظرت إلى ملابسي .. لم أنس نفسي بالبيجاما أو (الحفاية) .. لا ألبس جرابات (كل فردة لون) .. (طيب ليش هالنظرات الغريبة) ..

لَيْسَ .. نزلت من العمارة .. التقت عيناي بعيني جاري في العمارة الأخرى الملاصقة لعمارتنا (الحيط بالحيط) .. تبادلنا التحية الصباحية المعتادة التي تتبادلها مع جارك ويجب بعدها أن ينظر كل منكما في اتجاه آخر .. إلا أنه عاد ليحدق بي .. اللعنة! ما هذا؟ لم هذه النظرات الغريبة أيضاً .. تفقدت (حالي) من الأمام ومن الخلف .. القميص في مكانه الطبيعي داخل البنطلون .. الحزام أيضاً في مكانه ووضعه الطبيعيين .. (لا يكون سحاب البنطلون مفتوح والدكانة مشرعة أبوابها؟) ولكن .. لا .. السحاب (مسكر) و (الدكانة) في أمن وأمان لا يشوبهما شائبة .. نزلت الدرج المؤدي من حارتنا إلى الشارع الرئيسي .. نظر إلي جار آخر ليس بيني بينه حتى الـ(مرحبا) بسبب خلافات قديمة على مواقف السيارات في (الباركنج) .. نفس النظرات! كدت أوقفه وأمسك بتلابيبه وأسأله عن سر تلك النظرات ولكنني تمالكت نفسي .. انتهى الدرج الطويل بدرجاته الستين أو السبعين .. وها أنا أخيرا على رصيف الشارع الرئيسي .. وقفت بقرب الحاوية لأنتظر اللحظة المناسبة لقطع الشارع، عندما سمعت صوت عامل النظافة الذي يقف قرب الحاوية ..

- صباح الخير يا أستاذ!

التفتّ إليه .. نفس النظرات الغريبة والمستغربة ..

- صباح النور (يا سيدي)!

قلتها وقد بدأت أعصابي تتفلت مني استعداداً لمعركة .. (كلامية طبعاً) .. قلتها بصيغة استفهامية .. بلهجة لا تحمل إلا معنى واحداً .. فقط لا غير .. (ممكن أفهم شو سر هالنظرات ع هالصبح يا حَوَشْ؟) ويبدو أنه فهم ذلك المعنى الأوحد الذي لا يمكن أن تحمل تصبيحتي عليه معنىً غيره ..

- أمال فين كيس الزبالة بتاع كل يوم يا سعادة البيه؟

2014/06/09

ونتا شاكو؟

غادرنا عمان بعد الغروب بقليل، فوصلنا الإجفور في منتصف الليل .. نزول قصير لختم الجوازات ثم مواصلة الرحلة .. وصل الباص الذي يقلنا إلى الرطبة في الثالثة فجراً .. كان معظم ركاب الباص نائمين، فالمسافة من الإجفور إلى الرطبة تستغرق ثلاث ساعات، ولا يقطع نومك فيها إلا نزول قصير على معبر طريبيل الحدودي، حيث يتفقد العراقيون جوازات السفر دون ختمها، أما في الرطبة فبجب أن تستيقظ .. لأن عليك أن تنزل حقائبك من الباص للتفتيش الدقيق، وأن تحمل جواز سفرك بنفسك، وأن تملأ نموذجاً طويلاً مليئاً بالأسئلة حول كل تفاصيل حياتك وكأنه تحقيق مخابراتي، ويجب أن تكون مستعداً لكل أنواع الأسئلة، عن أي شاردة وواردة كتبتها في النموذج أو أغفلتها نسياناً أو تناسياً ..

كان التعتيم شاملا خارج المركز الحدودي، وكان زجاج نوافذه قد طلي بمادة تمنع نفاذ نور المصابيح القليلة الخافت الذي كان بالقدر الكافي للتدقيق في الجوازات والأمتعة ..

صرخ صوت بلهجة عسكرية صارمة:

- كل من يحط الجنط مالته ويلزم سِرا .. كل من جوازه بإيده .. يللا انت واياه .. ما ريد أحد خارج السرا ..

وضعنا حقائبنا على طاولات خشبية طويلة كأنها دكات غسل الموتى .. ووقفنا بالطابور ملتزمين بالأوامر ..

كانت الكابينة التي من المفترض أن يجلس فيها العسكري فارغة .. فوقفنا ننتظر قدومه .. أما الأجانب فقد كانوا جالسين على مقاعدهم بانتظار انتهاء سائقي الحافلات التي كانت تقلهم من إجراءات التفتيش والجوازات الخاصة بهم ..

بعد نصف ساعة جاء ضابط يتثاءب .. فتح باب الكابينة وجلس .. نظر إلى طابور المخلوقات التي اصطفت أمام الكابينة وصرخ:

- كلكم مليتو البطايق؟ منو ما ملا بطاقته؟

مالت علي امرأة خمسينية تلبس ثوباً مطرزاً وهمست:

- إنتي أردني يا بنيي؟

- آه يا خالتي

- شو يعني البطايك؟

- يعني استمارة بيانات يا خالتي ..انتي ما عبيتي وحدة؟

- يا بنيي أنا لا بكرا ولا بشتب

- طيب يا خالتي انطيني الجواز ..

أعطتني الجواز .. نقلت منه البيانات الأساسية إلى البطاقة ثم بدأت بطرح الأسئلة كما وردت في البطاقة: البلد الأصلي؟ .. منين جاي؟ .. عند مين جاي في العراق؟ مين بتعرفي هون؟ قديش ناوية تقعدي وعند مين؟ شو بشتغلوا؟ عناوين سكنهم؟ أرقام تلفوناتهم؟ شو صلتك بيهم؟ بتتعهدي بمراجعة شؤون العرب اذا كنتي ناوية تقعدي أكثر من أسبوع؟ طيب يا خالتي وقعي هون

- يا حسرتي تشيف بدي أوكع؟

- أنداري يا خالتي .. طيب لما يسألك الضابط قوليله يمكن يبصموكي مطرح التوقيع ..

استلم الضابط جوازاتنا وقال:

- ما ريد أحد هنا .. كل من يلزم مقعده وبس اللي اصيح اسمه ييجي ..

أنهينا إجراءات الجوازات وانتظرنا قدوم من يفتش حقائبنا ..

وأخيراً جاء .. عسكري بالفوتيك ويرتدي فروة من صوف الخراف .. كانت عيناه حمراوين ومن المؤكد أنه كان غاضباً لأنه صاح فينا:

- كلمن يوقف يم جنطته ويفتحها

فتحنا حقائبنا ووقفنا (يمها) في انتظار التفقد .. كان ينظر بعينيه الحمراوين إلى كل منا، من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، قبل أن يسأله: شاكو بالجنطة؟

- ملابس

- دي فظيها

نفرغ حقائبنا .. يدس يده في أحشائها ويقلب بطانتها .. يؤشر على الحقيبة بعلامة إكس بقلم فلوماستر كان بيده .. ثم ينتقل إلى مسافر آخر وحقيبة أخرى:

- شاكو بهاي الجنطة؟

- ملابس

- واللوخ؟

- كتب

- كتب مال شنو؟

- شوفها بنفسك

صرخ كأنما لسعته نحلة:

- أسألك تجاوبني

- كتب جامعة

- د طلعها كلها .. هاظ ممنوع .. وهاظ ممنوع .. انت طالب لو شنو؟

- بس هاي كتب موجودة .. كتب ثقافية

- ثقافية شنو وخرابيط شنو؟ عوفها .. إذا موجودة هنا عود اشتريها

يصادر الكتب ويضع إشارة الإكس

انتقل إلى حقيبة ذات لون وردي .. التمعت عيناه ..

- إلمن هاي الجنطة؟

- إلي

قالت شابة من الواضح أنها طالبة تدرس في واحدة من الجامعات العراقية

- شاكو بداخلها؟

- ملابس .. وكتب

- إيه؟ وشاكو بعد؟

- بس

- دي فظيها

ترددت الشابة ..

- بقلك فيها ملابس وكتب

- إي فظيها

احمر وجه الفتاة وتلفتت إلى وجوهنا: ما بقدر

ازدادت بهجته .. ازداد بريق عينيه ..

- هاه! لويش ما بتقدري؟

- بقلك فيها ملابس .. ملابسي ..

- اي وشنو يعني؟

ازداد احمرار وجه الفتاة .. وجالت بعينيها في أرجاء القاعة ..

أمسك العسكري بالحقيبة ودلق محتوياتها على الطاولة .. تنانير .. بلايز .. فساتين .. بنطلون جينز .. ملابس داخلية .. سوتيانات .. كان العسكري في غاية الانتشاء، وهو يلمس ملابسها الداخلية، وكأنه يمارس الجنس فعلاً ..

- وهاي شنو؟

- زي ما انتا شايف .. شريط فيديو

- شريط مال شنو؟

- عرس أختي

- ممنوع

- بقلك شريط عرس أختي

- قواويد .. تدخلون أشرطة سكس وتقولون عرس أختي

حاولت أن أتدخل .. نظر إلي العسكري من فوق إلى تحت ومن تحت إلى فوق .. وقال:

- ونتا شاكو؟

ثم نادى على عسكري آخر .. جاء مهرولاً: نعم سيدي!

- خذ هذا المحترم داخل .. أريد تفتيش كلش دقيق

- حاظر سيدي!

2014/06/08

توحة

اسمي فتحية .. وييقولولي يا توحة .. رقاصة .. قصدي كنت رقاصة .. كنت رقاصة لحد ما .. ربنا ع المفتري .. ح تقولولي ازاي كنتي رقاصة وانتي بالوش ده .. أنا ما كانشي وشي كده .. كنت زي القمر .. كلهم كانوا بيقولولي كده .. بس حاقول ايه؟ .. ربنا يجازي اللي كان السبب بس ..

لما نقلوني المستشفى .. بعدها بيومين .. حضرة الضابط جيه وسألني: ”بتتهمي مين يا فتحية؟“ سِكِتّ .. مش لإني مش عارفة مين .. سِكِتّ لإني بحب بنتي .. لإني مش عايزهم يئزوها .. هما قالولي ”لو نطقتي بأي حرف مش ح يحصللها طيب“ .. لو أي واحد منكم مكاني مش كان هيسكت برضو؟

أنا قلت في التحقيق إن الغاز ولع فيا وانا بطبخ .. أنا فعلاً قلت كده .. والجرانيل قالت كده .. حضرة الضابط ما صدقنيش .. قاللي: ”يا فتحية لو كنتي خايفة من حد احنا بنحميكي .. قولي وما تخافيش“ .. بس انا خفت وما كانشي ممكن ما اخافش .. أصلكم ما دقتوش اللي انا دقته .. وما تعرفوش اللي أنا بعرفه ..

قبل الحادسة بيوم اتصلوا بيا وقالولي: ”ده انزار نهائي .. لو طلعتي ترقصي مرة تانية مش ح يحصلك طيب“ .. ”انتو مين؟“ .. قالولي ”مالكيش دعوة احنا مين يا فاسقة“ .. ”انتو ازاي بتقولوا عليا كدة؟ هو انتو عمركو شفتو عليا حاجة او مسكتوا عليا حاجة؟“ .. ضحك وقاللي ”وكمان بتقاوحي يا فاجرة؟ عموماً ده انزار نهائي وقد أعزر من أنزر“ .. وقفل السكة ..

رحت لصاحب الصالة .. قلتله ”أنا مش ح ارقص تاني“ .. ”ليه؟ في حد دافعلك أكتر؟“ .. قلتله ”لأ“ .. قاللي ”براحتك .. بس يا روح أمك همه بس ميت ألف جنيه .. ادفعيهم وربنا معاكي“ .. ”ميت ألف جنيه بتوع إيه؟“ .. ”انتي نسيتي ولا إيه؟ ده الشرط الجزائي اللي انتي باصمة عليه“ .. قلتله ”أبوس إيدك أنا منين حجيب لكم ميت ألف جنيه؟“ .. قاللي ”والله انتي حره بأى .. يا ترقصي يا تدفعي“ ..

اتصلت يمكرم بيه .. قلتله ”يا مكرم بيه أنا ف عرضك .. دول عاوزين ميت ألف جنيه“ .. ضحك وقللي ”ميت ألف جنيه بتوع إيه دول؟“ .. قلتله ”يا ادفعهم يا اخسر بنتي“ .. ضحك .. وقللي ”ما تبطلوا شغل الأفلام بتاعكم ده“ .. وقفل السكة في وشي ..

اتصلت بيه مرة تانية .. ”يا مكرم بيه ..“ .. ”بقولك ايه؟ همه خمسميت جنيه ما فيش غيرهم .. وما تعمليش عليا شريفة يا روح امك؟“ .. ”يعني إيه؟“ .. ”استعبطي يختي استعبطي .. تقضي الليلة معايا والصبح يكونوا الخمسميت جنيه في شنطتك“ .. ”بس انت عارف أنا عمري ما حد لمسني يا مكرم بيه غير المرحوم جوزي“ .. ضحك وقاللي ”مهو دايما في مرة أولى يا شاطرة“ .. ”مش ح اقدر يا مكرم بيه“ .. قاللي ”والله ده الموجود .. قلتي إيه؟“ .. المرا دي انا اللي قفلت السكة ..

بعد ما خلصت وصلتي رجعت الشقة .. رن جرس الباب .. ”مين؟“ .. قاللي ”افتحي يا نكسر الباب“ .. فتحت الباب لقيت اتنين بدقون ودشاديش بيضا .. ”انتي فتحية المشهورة بتوحة؟“ .. ”أيوه أنا .. فيه حاجة؟“ .. كان في إيد واحد منهم قزازة فيها حاجة زي الميه فتحها ورماها في وشي وقاللي ”ده عقاب ربنا يا فاجرة علشان حزرناكي وما اسمعتيش الكلام“ .. وهربوا ..

وخرجت من المستشفى .. وطبعا ما رقصتش تاني .. لا في الصالة نفسها ولا ف غيرها .. بحست عن عمل .. أي عمل .. ما حدش قبل يشغلني بالوش ده .. وما كانشي في قدامي غير الطريق اللي جابني هنا .. وانا قابله بأي حكم يرضاه ضميرك يا حضرة القاضي .. بس ليا عندكم طلب واحد بس .. بنتي .. مين ح يصرف عليها يا سعادة البيه؟

2014/06/07

خربشات

وضع حسنين ما أوصيته بإحضاره لي من السوق على الطاولة، زجاجة ماء صحة، وكيس نايلون نصف شفاف بداخله (زجاجة أخرى) وكيس ورقي يحتوي تشكيلة من المكسرات، وكأسان فارغتان أحضرهما لي من بوفيه الفندق .. وإلى جانبها وضع لي على الطاولة باقي المبلغ .. ديناران وبعض الفكة ..

- خدمة تانية يا بيه؟

مددت له يدي بما تيسر .. وضعه بيده وقبلها على الوجهين .. ثم وضعها على رأسه قائلاً:

-من إيد ما نعدمهاش يا بيه ..

- اقفل الباب وانت خارج يا حسنين

- حاضر يا بيه

وخرج ..

* * * * * * *

حسنين هو أول وجه رأيته في هذا الفندق الذي سكنت فيه منذ إحالتي على التقاعد .. تغير مستخدمون كثيرون في الفندق وبقي هو .. وتغير كثيرون من زبائن الفندق وبقيت أنا .. فتولدت بيني وبينه ألفة صامتة، جعلتني أنال منه معاملة خاصة من بين كل زبائن الفندق .. كان الفندق صغيراً .. فهو مكون من طابقين فقط .. وكانت محتويات الغرفة التي أعيش فيها بسيطة .. حمام داخلي، سرير (مفرد ونص)، دولاب ملابس بدرفتين، طاولة، وكنبتان بينهما طربيزة صغيرة .. للغرفة (بلكونة) صغيرة فيها طاولة بيضاء من البلاستيك، وكرسيين بلاستيكيين من نفس لون الطاولة ..

وتحت الفندق كان مقر فرع لأحد البنوك .. مما يجعل المبنى نموذجياً في هدوئه وخاصة في أيام العطل وساعات المساء بعد إغلاق أبواب البنك في الساعة الرابعة .. هدوء تام لا يقطعه إلا دخول شخص ما إلى كابينة الصراف الآلي فيختفي وراء واجهتها الزجاجية المضاءة طوال الليل بأنوار الفلورسنت البيضاء .. ويخرج وهو يعد ما سحبه من النقود ثم يضعه في جيبه ويمضي في سبيله ..

وعلى العكس من ذلك كانت الحركة دؤوبة على الجهة الأخرى من الشارع المقابلة للفندق تماماً .. حيث ينشط العمل في الكوفي شوب أكثر ما ينشط في ساعات المساء وحتى ما بعد منتصف الليل ..

* * * * * * *

أتاحت لي جلساتي في هذه البلكونة (وخاصة في المساءات وساعات الليل) أن أرى الكثير مما يحدث في الكوفي شوب المقابل .. رأيت الكثير .. وتعلمت الكثير .. ومن وقت لآخر كنت أطلب من حسنين أن يحضر لي (دستة ورق فولسكاب) فأكتب فيها ما رأيت وتعلمت .. ومع الأيام تراكمت الأوراق ..

- انت بتكتب ايه يا سعادة البيه؟

- يعني .. خربشات ..

- تسمحلي أقراها يا بيه؟

- انت بتحب القصص يا حسنين؟

- بموت فيها

-طيب .. اقراها يا حسنين .. بس رجع اي ورقة بتقراها لمكانها وما تلخبطهاش

- حاضر

بعد يومين أعاد لي حسنين الأوراق التي أخذها مني وقد ثقب الأوراق وكتب أسفل كل صفحة رقماً متسلسلاً .. ورتبها في ملف أنيق من الورق المقوى ..

- انت بتكتب حلو أوي يا بيه ..

- والله؟

- نشرت حاجة قبل كده يا بيه؟

- لا

قال مستغربا:

- طب ليه؟

- ماليش في النشر يا حسنين

- خسارة .. أنشر يا بيه .. انا لو بعرف أكتب زيك كده كنت عملت الهوايل

- مانا قلتلك .. ماليش في النشر خالص

خرج من غرفتي وهو يردد:

- خسارة يا بيه .. والله خسارة .. ألف خسارة!

* * * * * * *

بمرور الأيام أصبحت وجوه معظم رواد الكوفي شوب مألوفة بالنسبة لي .. وصرت تقريباً أحفظ مواعيد حضورهم وانصرافهم .. والأمكنة التي يفضلون الجلوس فيها إذا ما كانت شاغرة .. بل إنني أطلقت عليهم أسماء من عندي .. فهذا أحمد .. وهذه سناء .. وتلك سوسن .. قد لا تكون الأسماء التي أطلقتها عليهم أسماءهم الحقيقية .. ولكنها الأسماء التي أحسست أنها الأكثر مناسبة لكل منهم ..

هم خليط من مختلف الأعمار .. إلا أن معظمهم على ما يبدو من طلبة الجامعة القريبة من الكوفي شوب .. خمنت ذلك من أعمارهم، وملابسهم، وما يحملونه في أيديهم .. والأوقات التي يحضرون أو يغادرون فيها ..

وبمرور الأيام بدأت أرى بدايات بعض العلاقات وانتهاء بعضها الآخر .. أقصد تلك العلاقات العاطفية .. وكم شاهدت - من مكاني على البلكونة - كتفين متلاصقين .. لشاب وشابة .. فيما المقعد الذي كانا يجلسان عليه يتسع لأربعة أشخاص أو أكثر .. وكم شاهدت - من نفس المكان - وعلى نفس الطاولة، شاباً وشابة يجلسان على مقعدين متقابلين تفصلهما الطاولة ومشاعر توحدت يوما ثم تباعدت .. ثم أرى أحدهما يدخل إلى الكوفي شوب فإذا رأى الآخر جلس على طاولة أخرى بعيدة مديراً ظهره له لئلا تلتقي العيون ..

* * * * * * *

ازداد عدد رواد الكوفي شوب من الشباب الملتحين (والصبايا المحجبات) .. في البداية كانوا يجلسون في إحدى الزوايا على طاولات متجاورة .. ثم صاروا يلصقون طاولتين أو أكثر (حسب عددهم) فيجلسون في حلقات يستمعون فيها بصمت وانتباه شديدين لأحد الرجال الأكبر سناً .. وتدريحياً أصبحت ألاحظ أن صوت سماعات الكوفي شوب كان يتوقف بمجرد أن ترتقع أصوات الأذان في المساجد القريبة ..

وعلى طاولة أخرى قريبة من زاوية الملتحين، صرت ألاحظ رجلاً يجلس بانضباط شديد، متشاغلاً طيلة الوقت بقراءة جريدة، يمر قبل خروجه على الكاشيه، يتبادل هو وموظف الكاش حديثاً قصيراً ويخرج .. وبعد دقائق يدخل رجل آخر .. يمر على الكاشيه، يتبادل هو وموظف الكاش حديثاً قصيراً .. ثم يجلس في نفس المكان بانضباط شديد، متشاغلاً طيلة الوقت بقراءة نفس الجريدة ..

* * * * * * *

أرسلت حسنين ليشتري لي بعض الأغراض من السوق .. لم يكن المكان الذي طلبت أن يأتيني بتلك الأغراض منه بعيداً ولكنه عاد بعد ساعتين ممتقع اللون ..

- ليش تأخرت؟

- يا بيه .. قوللي حمد الله ع السلامة .. ده انا كنت ح اروح فيها لولا ربنا ستر ..

جلس حسنين يقص علي ما حصل معه ..

- وانا راجع يا بيه مريت من قدام بوابة الجامعة .. منتا عارف ما فيش طريق تاني .. وقفوني رجالة الأمن وطلبوا مني البطاقة .. ولسه يا دوب طلعتها من جيبي وإذ بعشر سيارات بتوقف قدام البوابة ونزلوا منها ييجي خمسين راجل .. اللي شايلين مسدسات واللي شايلين خناجر واللي شايلين نبابيت ..حاولوا الأمن يمنعوهم بس ما قدروش ..

- اوف؟ ليش؟ شو فيه؟

- بيقولوا حصلت خناقة جوه الجامعة علشان واحد تحرش بواحدة قاموا قرايبها تعاركم مع الراجل اللي تحرش بيها وقرايبه ودول جايين يشعللوها .. وبيقولوا الموضوع خناقة علشان انتخابات طلابية وما حدش عارف الحقيقة ..

- الله يستر ..

* * * * * * *

أنا حسنين محمد عبد العاطي .. الفصول اللي قبل كده كتبها المرحوم .. كانت آخر حاجة كتبها: ”الله يستر“ .. بس ربنا كان كاتب حاجة تانية .. دي مشيئة ربنا ولا اعتراض على مشيئة ربنا .. النهاردة المرحوم كان قاعد ع البلكونة .. نفس اللي حصل الصبح في الجامعة تكرر الساعة ستة في الكوفي شوب ..قبل المغرب بشوية .. سيارات وملثمين ومسدسات ونبابيت وحجارة بتتحدف من كل ناحية ومن الناس اللي كانت عالسطوح .. سطح العمارة اللي فيها الفندق وسطح العمارة اللي فيها الكوفي شوب اللي قبالنا .. والناس اللي كانت في الشارع تحت .. المرحوم اتصاوب وما لحقناهوش .. نصيبه بأى .. ربنا يرحمه ويرحمنا.

2014/06/06

بانديج

أحست بالدماء تغلي في عروقها فنهضت من مقعدها بعصبية .. أمسكت بحقيبة يدها وعلقتها على كتفها .. اتجهت صوب باب الخروج دون أن تنبس بكلمة واحدة .. اصطدمت ركبتها بحافة شيء ما فشعرت بألم شديد ولكنها غالبته .. وقفت على حافة رصيف الكوفي شوب تنتظر ..

- تاكسي

توقفت سيارة التاكسي بجوارها .. فتحت الباب الخلفي وألقت بنفسها وحقيبتها على المقعد الخلفي .. ودون أن يلتفت إليها السائق سألها.

- وين يا أختي؟

- ع جهنم!

كان لا بد أن يلتفت .. وكان وجهها بلون الشفق ..

- لا حول ولا قوة إلا بالله .. روقي يا بنتي والله هالدنيا ما فيها إشي بيستاهل ..

انفجرت باكية ..

- وين بدك أوصلك؟

لم تستطع الإجابة .. شغل محرك السيارة واتجه إلى الأمام .. بعد مائتي متر توقف ..

- ثواني .. خليكي هون .. ما راح أتأخر ..

نزل من السيارة .. وعاد بعد قليل بزجاجة ماء وباكيت كلينكس ..

- خذي هدول يا بنتي .. اشربي مي وامسحي دموعك.

تناولتهما بصمت ..

سارت السيارة في الشارع المكتظ بالسيارات والمارة .. تذكرت شيئاً ..

- لو سمحت رجعني مطرح ما ركبت معك ..

- حاضر

نزلت من التاكسي ولكنها أبقت حقيبتها في مكانها ..

- لو سمحت استناني .. دقيقة واحدة بس .. ما راح أتأخر ..

دخلت إلى الكوفي شوب .. اتجهت إلى نفس الطاولة .. لا يزال هناك .. ينفث دخان سيجارته ..

خلعت من اصبعها الخاتم .. ورمته أمامه على الطاولة .. سقط الخاتم على الطاولة وتدحرج إلى الأرض ..

انحنى .. التقط الخاتم .. ونظر إليها متسائلاً ..

خرجت بصمت كما دخلت بصمت .. عادت إلى مقعدها في التاكسي .. أحست بجبل ثقيل ينزاح عن ظهرها ..

التفت إليها السائق .. وبدلاً من الدموع .. رأى في عينيها ظل ابتسامة .. وحقلاً ممتدا بلا نهاية من الدحنون والأقحوان.

توقف قرب صيدلية .. وعاد بزجاجة سبيرتو ولفة قطن طبي وبانديج لتضميد الجروح ..

* * * * * * *

قبلت جبين ابنتها التي كانت مستلقية بجانبها على السرير مستمتعة بالحكاية ..

- وهيك تعرفت على أبوكي يا بنتي ..

2014/06/05

معنا ومش معنا

تاهت خطاوينا

في دْروبْها وْضعْنا

والقارِبِ المسْكينْ

ما عاد يوْسعْنا

يحْرقْ حريش القلِبْ

عشْقو لمينْ باعْنا

والّلي اشْترانا مالوشْ

نتّوفةْ تجْمعْنا

مشْ كلِّ اللّي بنْقولو

مفْهومْ وِلُو معْنى

ولا الّلي بنقلُّهْ

فعْلاً بيسْمعْنا

والّلي بيسْمع طشاش

معْنا ومشْ معْنا

تعجلت الرحيل

تعجّلتَ الرّحيلَ، أيا صديقي

وما عادتْ طريقُكَ مِنْ طريقي

وأظلمَتِ العيونُ، فلا بريقٌ

وهل تزْهو العيونُ بلا بريقِ؟

وقدْ ظلموكَ، إذْ عادَوكَ حيّاً،

وبالنّسيانِ سكّينِ العَقوقِ

نصوصُك شامخاتٌ في بهاءٍ

كنخلاتٍ سخِرْنَ مِنَ الحريقِ

كدحنون المروجِ وأقحوانٍ

أبَيْنَ، السّجْنَ في حوضٍ أنيقِ

أبَيْنَ، كما أبَيْتَ، وهل سيرضى

عزيزُ النّفْسِ طأطأةَ الرقيقِ؟

عصاميٌّ، سخرْتَ بلا نفاقِ

مِنَ الزّيفِ المطعّمِ بالعقيقِ

ومِنْ صَدَفٍ نُفِخْنَ بلا محارٍ

وأسيافِ الشّقيقِ على الشّقيقِ

2014/06/02

مصطفى مراد

مساء الأربعاء 3 / 7 / 2013 توفي مصطفى مراد .. علمت بالخبر بعد يوم أو يومين من عمر علوي ناسنا .. في البداية صعقت ولم أصدق ..

- مش ممكن .. هذا الخبر مستحيل يكون صحيح

- نتمنى أن لا يكون صحيحاً يا محمد .. ولكنني قرأت الخبر في صحيفة محلية تصدر هناك ..هل لديك رقم بيته لأتصل بأحد من عائلته؟

اتصلت بعبد الرحمن مساعد أبو جلال .. أخذت منه رقم تلفون بيت مصطفى وأعطيته لعمر

- سأتصل لأستفسر وأرجو أن لا يكون الخبر صحيحاً

ولكنه عاد بعد قليل ليؤكد:

- الخبر صحيح يا محمد .. اتصلت ببيته ورد علي أحد أفراد أسرته وأكد لي الخبر .. إنها مصيبة يا محمد .. مصيبة فادحة ..

أوجعني الخبر فبكيت .. بكيت مرتين: مرة لأن مصطفى مات .. ومرة لأنه مات ونحن في قطيعة امتدت خمسة عشر شهراً ..

بكيت لأن سبباً تافهاً أدى لقطيعة بين قلبين ما كان ينبغي أن يفترقا لحظة واحدة ..

أكد لي أبو جلال الخبر .. فقد اتصل بدوره ببيت أبو مراد ..

قال لي عمر: ألا تعود للمنتدى؟

- اسكت يا عمر .. اسكت .. أرجوك

كنت أبكي .. كيف أدخل مكاناً كل ما فيه يذكرني بحبيبي الذي لن يعود؟

اليوم 2 / 6 / 2014 دخلت المنتدى زائراً .. شيء ما دفعني للدخول إلى ركنيه المفضلين: ركن القصة .. وركن التخبيص .. سمعت ضحكاته .. مداعباته .. حزنه .. يأسه .. غضبه .. ثورته العارمة ..

قلت له: كيفك يا ختيار؟

تفاجأ بصوتي فهتف: محمد؟ وينك يا صديقي؟ كنت عارف ومتأكد إنك راجع ..

- لا يا مصطفى .. لن أعود إلى مكان لن تعود إليه أنت

- ليش جيت لكان؟

- لإني اشتقتلك

- وأنا كمان اشتقتلك يا محمد

- مسامحني يا مصطفى؟

لم يستطع أن يداري ابتسامة ملأت وجهه رغماً عنه ..

- بسامحك إذا عملت 23 مشاركة .. روح لركن القصة .. إترك الصفحة الأولى وشوف شغلك في الصفحتين الثانية والثالثة ..

- مش رايح .. قلتلك جاي عشان اشتقتلك انت وبس ..

- ولك يللا روح هز طيزك .. أنا تعبان ورايح أنام

- يحرق حريشك يا مصطفى .. بعده لسانك متبري منك؟

ضحك .. وانتصب واقفاً على قدميه .. فصعقت

- بس يا مصطفى؟ مش إنتَ ..؟

- أنا شو؟

- قصدي .. رجليك ..

ضحك مرة أخرى ..

- رجعولي .. شايف ما أحلاهم؟ فشرت أحلا رقاصة يكون عندها رجلين زيهم

- بس كيف؟

- مش شغلك .. هاي شغلة بيني وبين ألله ..

ثم عاد ليقول لي ما بين الأمر والرجاء:

- محمد انا تعبان وبدي أروح أنام .. تعبان يا محمد .. تعبااااااااان .. دير بالك ع المنتدى بغيابي

- قلتلك مش راجع ..

اصطنع الغضب .. أو لعله غضب فعلاً

- لطيزي

- هع

- هعين

- سلام يا صديقي

- سلام .. وسلملي على عمر، وابو جلال، والحمار، والحمار الثاني ..

- والصبايا يا مصطفى؟

- راس الكوم يا محمد

نهضت واقفاً .. اقتربت منه لكي أعانقه مودعاً .. ولكنه اختفى فجأة كما ظهر فجأة.