2014/06/28

حبة زيتون

على ظهر (البكم) عشرة شوالات من الزيتون .. في طريقها إلى المعصرة .. في واحد من تلك الشوالات كانت حبة زيتون تحاول إقناع جاراتها بالهروب ..

- طب وإفرضي مسكونا؟ شو بيصير فينا؟

- نفس اللي راح يصير فينا لو ما حاولنا نهرب

- لا يختي .. بدك تهربي اهربي لحالك .. إحنا راضيات بقدرنا

- قدرنا شو يا هبلة؟ مين اللي قال انه قدرنا نروح فعص في المعصرة؟

- انتي قليلة إيمان .. لو عندك ذرة إيمان ما كنتي فكرتي بالهروب

كانت حبة الزيتون مصممة على الهروب .. كانت تشعر أنها لم تعش حياتها بعد .. هنالك الكثير مما يجب أن تراه وتسمعه وتستمتع به قبل أن تنتهي حياتها (إذا كان لا بد لها من الانتهاء) .. وفي كل الأحوال لن تموت فعصاً في معصرة ..

كانت قد حاولت أن تختبئ من عيون الصبايا اللواتي كن يقطفن الزيتون .. ونجحت في ذلك إلى حين .. ولكن عصا غليظة كسرت الغصن فوقع على الأرض .. التقطه طفل وأخذ يلهو به ..ولكن أمه انتهرته وانتزعت الغصن من يده فأخذ يبكي .. قطفت ما عليه من حبات زيتون وأعادت الغصن إليه .. فتوقف عن البكاء وواصل اللعب ..

كانت حبة الزيتون قريبة من ثقب في الكيس .. وساعدتها خضخضة البكم في الانفلات منه .. تدحرجت على أرضية ظهر البكم إلى أن وصلت إلى الحافة ..

- ولك إرجعي!

- أنا نازلة .. اللي بدها تلحقني

قفزت حبة الزيتون .. شعرت بالألم عندما سقطت على الأسفلت ولكنها كانت سعيدة .. سعيدة بالحرية .. بالنجاة من رحى المعصرة .. ما أجمل الحياة .. ما أجمل أن ترفضي وتقاومي وتنجحي في الانفلات من القدر .. أقصد ما تعتبره حبات الزيتون اللواتي ظللن في الأكياس قدرهن .. ما أجمل الحياة .. ما أجملها .. ما أجــــ ..

لم تكمل حبة الزيتون تغنيها بجمال الحياة .. فقد أصبحت .. دون أن تدري .. مجرد بقعة .. بقعة خضراء مسطحة تماماً .. ملتصقة بدولاب سيارة مسرعة .. سيارة مسرعة تقودها فتاة في طريقها إلى موعد مع الحبيب

* * * * * * *

شاهدت حبات الزيتون الأخرى ما حدث .. بكت بعضهن وارتفعت أصوات نحيبهن .. انعطف البكم بسرعة زائدة فتمايلت أكياس الزيتون .. قالت حبة زيتون، كانت الأقرب إلى الثقب:

- وأنا كمان نازلة ..

- ولك إنتي ما شفتي شو صار فيها؟

- شو صار فيها يعني؟ إللي صار فيها راح يصير فينا إذا ظلينا هون .. مش يمكن تزبط معنا؟

قالت حبة زيتون كانت منشغلة بالتسبيح طوال الوقت:

- إللي عملته حرام وما بيرضي ربنا .. إحنا انخلقنا للمعصرة .. هروبكم تمرد على قضاء الله وقدره ..

- بالعكس .. كانت شهيدة

- شهيدة شو؟ أصلاً عمري ما شفتها بتصلي .. قال شهيدة قال!

أخرجت حبة الزيتون المتأهبة للخروج من الثقب لسانها لها .. وقفزت وهي تقهقه

تدحرجت على أرضية البكم .. وصلت الحافة ..

- استني .. أنا كمان لاحقتك ..

- وأنا كمان ..

- وأنا كمان ..

تتابعت حبات الزيتون في الانفلات من الثقب فاتسع ..على حافة البكم وقفن .. قفزت الأولى .. ثم الثانية .. ثم الثالثة .. ثم تتابعت القافزات .. ولم يبق في الكيس سوى القليل .. شاهدت حبات الزيتون في الأكياس الأخرى ما يحدث فتشجع بعضهن .. وكانت خضخضة البكم قد أحدثت في كل كيس عدداً من الثقوب ..

راحت الكثيرات فعصاً تحت دواليب السيارات المسرعة .. ولكن بعضهن نجحن أخيراً في الوصول إلى الحافة .. بعيداً عن دواليب السيارات ..

* * * * * * *

بعد سنوات .. اندهش العابرون على ذلك الطريق لوجود عدد من شجيرات الزيتون على حافة الطريق .. وإلى الأسفل قليلاً امتدت غابة صغيرة من أشجار الزيتون .. في أرض لا تطؤها سوى أقدام العاشقين.