2014/06/25

ابتسامتها الخفيفة الغامضة

خليل هو الذي دله على هذا المكان .. ليلتها ابتدأت سهرتهما في الشقة التي يسكن فيها خليل .. في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فرغت الزجاجة، ولكن رغبتهما في المزيد دفعتهما للنزول بحثاً عن زجاجة أخرى .. كانت المحلات الثلاثة التي اعتاد خليل أن يؤمن منها حاجته من المشروب ولوازمه مغلقة ..

- اسمع .. أنا عازمك ..

- وين؟

- نكمل السهرة في صالة (..) .. حيث الخممممممممر والخضراااء والوجه الحسننننن .. شو رايك؟

لم تكن الصالة بعيدة كثيراً عن شقة خليل .. فذهبا إليها مشياً ..

هناك .. استقبلهما العاملون في الصالة بترحاب .. كان من الواضح أن خليل أحد زبائنهم المفضلين لأنهم أجلسوهما في مكان هادئ من الصالة .. وسرعان ما تمت خدمة الطاولة بزجاجتين من البيرة وصحون المزة .. في الجهة الأخرى المقابلة للنوافذ المطلة على الشارع رجلان وراقصة .. كان أحد الرجلين يغني والآخر يعزف فيما كانت الراقصة تتمايل مع اللحن والكلمات ..

قل للمليحة في الخمار الأسود / ماذا فعلت براهب متعبد / قد كان شمر للصلاة ثيابه / لما وقفت له بباب المسجد / فسلبت منه دينه / ويقينه / وتركته في حيرة لا يهتدي / ردي عليه صلاته وصيامه / لا تقتليه بحق عيسى وأحمد / ردي ردي / عليه ردي / ..

كانت الملابس التي ترتديها الراقصة (محتشمة) بالمقارنة مع ما ترتديه الراقصات عادة .. ربما لتتناسب مع كلمات الأغنية ..

لاحظ خليل استغراقه في النظر إلى الراقصة وتتبع حركاتها ..

- عجبتك؟

-ها؟ آه .. حلوة

- إسمها نادية .. بتقدر تقول صاحبتي .. أعرفك عليها؟

- يا ريت!

- تكرم عيونك! ولو! ميت طلب زي هالطلب

بعد انتهاء الوصلة أشار إليها خليل فجاءت .. جلست قرب خليل في مواجهته .. قام خليل بمهمة التعارف ..

- أبو حميد .. من أعز أصدقائي

- بس. يعني .. أول مرة بشوفه معك!

- أبو حميد مالوش في هالقعدات .. الزلمة، بعيد عنك، تبع حب عذري ..

ضحك خليل أما هي فابتسمت ابتسامة خفيفة .. واستمرت في حديثها الهامس مع خليل بينما تسترق إليه النظرات .. ثم استأذنت لوصلتها الثانية .. أما هو، فظل هائما في عينيها الحزينتين ..

* * * * * * *

هذه المرة جاء لوحده .. وهو الذي طلب من خليل أن يسهرا هنا .. ولكن خليل اعتذر بالصداع ورغبته في النوم باكرا ..

بعد أن انتهت من وصلتها جاءت لوحدها ..

- شو؟ وين صاحبك؟

- ممممم .. تعبان شوي

- لا والله سلامته .. احكيلي عنك ..

هذه المرة جلست فترة أطول من المرة الأولى .. ومع انتهاء زجاجة البيرة الثانية كانت القصيدة قد قاربت على البيت الأخير ..

- بقدر أشوفك بكرة؟

- أنا كل ليلة هون

- قصدي .. في مكان ثاني ..

ابتسمت ابتسامتها الخفيفة الغامضة التي أسرته في المرة الأولى ..

- صعبة ..

- في كلام كثير بدي احكيلك اياه

نفس الابتسامة ..

- احكي

- ما بينفع هون ..

- ما بقدر .. صعبة كتير

- نادية أرجوكي

- طيب بحاول .. ازا لقيت طريقة بخبرك

وتركته لأداء وصلتها الثانية ..

كانت وهي ترقص تنظر إليه .. وكان متأكداً أنها ترقص له .. له وحده ..

* * * * * * *

لم تأت في الليلة الثانية .. ولا الثالثة .. ولا الرابعة .. اتصل بخليل ..

- شو ياااااااا .. وين بطلنا نشوفك؟

- مشاغل

قهقه خليل طويلاً ..

- على كل .. نادية سألتني عنك

- ن ن ن نادياااااا؟

قهقه خليل مرة أخرى

- آه يا حبيبي .. ناديا .. ومالك هيك انخضيت؟

- لأ ولا إشي .. شو سألتك؟

- مين؟

- ن ن ناديا يا أخي؟

- ههههه

- خليل بلا ثقل دم. إحكي شو سألتك!

- ولك شو عامل للبنت إنتا؟

- أنا؟

- اتهبل يا حبيبي اتهبل .. لعاد إبن جيراننا؟ آه إنتا ..

- والله ما عملت إشي .. ليش شو قالتلك؟ زعلانة مني إشي؟ عشان هيك يعني ما إجت عالصالة من ثلاث تيام؟

- هههههههههههه

- خليل عنجد انتا لا تحتمل. سلام صديقي

وأغلق السماعة

رن التلفون مرة أخرى

- ليش سكرت الخط يا أهبل .. إسمع .. ناديا بدها تشوفك .. جنابك معك نسخة من مفتاح الشقة .. بكرة أنا رح أمغيب .. والساعة تسعة بتكون معاليك هون .. ماشي؟

- مش فاهم

- إنتا غبي ولا بتتغابى؟ يا روحي البنت معجبة فيك وحضرتي قاعد برتبلك موعد غرامي .. أشرحلك كمان ولا فهمت؟

* * * * * * *

قبل الساعة التاسعة ذهب إلى شقة خليل .. كانت القصيدة جاهزة .. سيجلس بقربها .. سيمسك يدها .. ستلقي برأسها على صدره وستبكي وسيمسح دموعها بأنامله .. وسيقبل عينيها .. وستبتسم ابتسامتها الخفيفة الغامضة ..

الساعة التاسعة والربع .. رن جرس الباب .. كانت نادية!

- هاي

- أهلا ن ن ن ناديا اهلا

- شو شووووووب .. افتح الشباك بليز .. بس طفي الضو بالأول ..

أطفأ النور .. فتح النافذة .. كان ضوء مصباح الإنارة على العمود من الجهة الأخرى من الشارع يتسلل من بين شقوق الستائر .. الآن سيستدير قيس ليجد ليلى تفك جدائلها فيما يتورد خداها بحمرة حياء العذارى ..

وقبل أن يستدير .. جاءه صوتها من غرفة النوم ..

- حمودتي .. هات البيرة وتعال .. بس بسرعة ما رح أقدر أطول معك كتير .. وراي شغل الليلة .. يللااااااا!