2014/06/21

مواصلات

خرجت من مكان عملي، لأعود إلى البيت بعد يوم عمل شاق. وقفت على الرصيف وأخرجت ما في جيب القميص من النقود وعددتها .. دينار .. دينارين .. مددت يدي إلى جيب البنطلون .. عشرة قروش .. عشرين .. ثلاثين .. خمس وثلاثين .. هذا يعني شطب خيار التاكسي .. مر التاكسي الأول وزمر تزميرة خفيفة .. طنشته .. مر الثاني و(ظوالي الفلشر) .. أشرت له بيدي بما يفترض أن يفهم منه أنني (لا أنتوي) ركوب التاكسي .. تذكرت (لا أنتوي) حسني مبارك وابتسمت ابتسامة خفيفة ..

مرت سيارة أجرة (سرفيس) .. زمر .. أشرت بيدي ورأسي بالموافقة ..

- ع دوار الداخلية؟

- إركب

ركبت .. وسارت السيارة ..

- كم الأجرة لو سمحت؟

- أربعين قرش

مددت له يدي بورقة الدينار .. أعاد لي، دون أن ينظر إلي، قطعة نقدية من فئة (النص دينار) .. وكرر نفس الشيء مع الركاب الثلاثة الجالسين في المقعد الخلفي ..

كان صوت الشيخ كشك على مسجل السيارة ..

- من المعززززززز؟

- الله!

- من المذللللللللللللللل؟

- الله!

- من الجبببببباااااااااااااااار؟

- الله!

- من المنتقم؟

- الله!

وصلنا دوار الداخلية .. ”تفضلوا شباب“ .. فنزلنا ..

على مقربة من دوار الداخلية، كانت هنالك عدة باصات في الانتظار .. باص للسلط .. وآخر للفحيص .. وأخر لصويلح .. ممتاز .. كلها تخدمني .. فأنا سأنزل على تقاطع الدوريات الخارجية ..

سألت الكونترول:

- صويلح؟

- اطلع

كان هنالك مقعد واحد فارغ قريب من الباب .. فجلست ..

سأل السائق الكونترول:

- كاملين ركابك؟

- توكّل يا معلم

- مين قدامنا؟

- حجّاج

- ايمتى طلع؟

- من ثلاث دقايق بس

(زَرّ) السائق على البنزين .. فلحق بباص حجاج قبل طلوع الجسر على دوار المدينة الرياضية ..

كان هناك العشرات من المنتظرين على الموقف أمام المختار مول ..

- اطلعوا شباب!

دخلت بنت ..

- شباب لو سمحتوا تقعدوا هالبنت!

قعدتها ..

- شباب لو سمحتوا الباص فاظي .. لجوه لو سمحتوا ..

خلال عشر ثوان كان الممر الضيق بين الكراسي قد امتلأ (بالشباب) ..

شغل السائق على المسجل أغنية بوس الواوا ..

وانطلق بسرعة لكي يسبق حجاج في (لمّ) الواقفين بالانتظار ..

- هات هالخمسة وثلاثين ..

قبل سنوات .. عندما كانت الأجرة (شلن) فقط .. كان السائق يقول للكونترول عندما يرى شخصا واقفا في انتظار الباص: هات هالشلن .. ثم تغير الإسم إلى: هات هالبريزة .. وظل يتغير ويتغير حتى أصبح هات هالخمسة وثلاثين ..

كانت الخمسة وثلاثين هذه المرة صبية ..

- اقعدي جنب البنات .. صبايا لو سمحتوا قعدوا هالصبية معكن

حشرت الصبية جسدها إلى جانب الصبيتين ..

عند تقاطع الدوريات الخارجية نزلت .. نزلت بصعوبة .. وكان العرق يتصبب من كل مساماتي ..

عددت ما تبقى معي من النقود .. (مية وخمسة واربعين قرش) ..

(ممتاز .. بيكفيني بهدلة .. بقدر هسه آخد تكسي للبيت) ..

وأخيراً وصلت أبو نصير ..

- نزلني هون لو سمحت ..

نظرت إلى العداد .. مية وخمسين قرش ..

مددت إلى السائق يدي بالأجرة .. ناقصة (شلن) ..

نظر إلي السائق بصمت .. كان في نظرات عينيه ما لم ينطق به لسانه .. تصببت عرقاً .. ونزلت ..