غادرنا عمان بعد الغروب بقليل، فوصلنا الإجفور في منتصف الليل .. نزول قصير لختم الجوازات ثم مواصلة الرحلة .. وصل الباص الذي يقلنا إلى الرطبة في الثالثة فجراً .. كان معظم ركاب الباص نائمين، فالمسافة من الإجفور إلى الرطبة تستغرق ثلاث ساعات، ولا يقطع نومك فيها إلا نزول قصير على معبر طريبيل الحدودي، حيث يتفقد العراقيون جوازات السفر دون ختمها، أما في الرطبة فبجب أن تستيقظ .. لأن عليك أن تنزل حقائبك من الباص للتفتيش الدقيق، وأن تحمل جواز سفرك بنفسك، وأن تملأ نموذجاً طويلاً مليئاً بالأسئلة حول كل تفاصيل حياتك وكأنه تحقيق مخابراتي، ويجب أن تكون مستعداً لكل أنواع الأسئلة، عن أي شاردة وواردة كتبتها في النموذج أو أغفلتها نسياناً أو تناسياً ..
كان التعتيم شاملا خارج المركز الحدودي، وكان زجاج نوافذه قد طلي بمادة تمنع نفاذ نور المصابيح القليلة الخافت الذي كان بالقدر الكافي للتدقيق في الجوازات والأمتعة ..
صرخ صوت بلهجة عسكرية صارمة:
- كل من يحط الجنط مالته ويلزم سِرا .. كل من جوازه بإيده .. يللا انت واياه .. ما ريد أحد خارج السرا ..
وضعنا حقائبنا على طاولات خشبية طويلة كأنها دكات غسل الموتى .. ووقفنا بالطابور ملتزمين بالأوامر ..
كانت الكابينة التي من المفترض أن يجلس فيها العسكري فارغة .. فوقفنا ننتظر قدومه .. أما الأجانب فقد كانوا جالسين على مقاعدهم بانتظار انتهاء سائقي الحافلات التي كانت تقلهم من إجراءات التفتيش والجوازات الخاصة بهم ..
بعد نصف ساعة جاء ضابط يتثاءب .. فتح باب الكابينة وجلس .. نظر إلى طابور المخلوقات التي اصطفت أمام الكابينة وصرخ:
- كلكم مليتو البطايق؟ منو ما ملا بطاقته؟
مالت علي امرأة خمسينية تلبس ثوباً مطرزاً وهمست:
- إنتي أردني يا بنيي؟
- آه يا خالتي
- شو يعني البطايك؟
- يعني استمارة بيانات يا خالتي ..انتي ما عبيتي وحدة؟
- يا بنيي أنا لا بكرا ولا بشتب
- طيب يا خالتي انطيني الجواز ..
أعطتني الجواز .. نقلت منه البيانات الأساسية إلى البطاقة ثم بدأت بطرح الأسئلة كما وردت في البطاقة: البلد الأصلي؟ .. منين جاي؟ .. عند مين جاي في العراق؟ مين بتعرفي هون؟ قديش ناوية تقعدي وعند مين؟ شو بشتغلوا؟ عناوين سكنهم؟ أرقام تلفوناتهم؟ شو صلتك بيهم؟ بتتعهدي بمراجعة شؤون العرب اذا كنتي ناوية تقعدي أكثر من أسبوع؟ طيب يا خالتي وقعي هون
- يا حسرتي تشيف بدي أوكع؟
- أنداري يا خالتي .. طيب لما يسألك الضابط قوليله يمكن يبصموكي مطرح التوقيع ..
استلم الضابط جوازاتنا وقال:
- ما ريد أحد هنا .. كل من يلزم مقعده وبس اللي اصيح اسمه ييجي ..
أنهينا إجراءات الجوازات وانتظرنا قدوم من يفتش حقائبنا ..
وأخيراً جاء .. عسكري بالفوتيك ويرتدي فروة من صوف الخراف .. كانت عيناه حمراوين ومن المؤكد أنه كان غاضباً لأنه صاح فينا:
- كلمن يوقف يم جنطته ويفتحها
فتحنا حقائبنا ووقفنا (يمها) في انتظار التفقد .. كان ينظر بعينيه الحمراوين إلى كل منا، من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، قبل أن يسأله: شاكو بالجنطة؟
- ملابس
- دي فظيها
نفرغ حقائبنا .. يدس يده في أحشائها ويقلب بطانتها .. يؤشر على الحقيبة بعلامة إكس بقلم فلوماستر كان بيده .. ثم ينتقل إلى مسافر آخر وحقيبة أخرى:
- شاكو بهاي الجنطة؟
- ملابس
- واللوخ؟
- كتب
- كتب مال شنو؟
- شوفها بنفسك
صرخ كأنما لسعته نحلة:
- أسألك تجاوبني
- كتب جامعة
- د طلعها كلها .. هاظ ممنوع .. وهاظ ممنوع .. انت طالب لو شنو؟
- بس هاي كتب موجودة .. كتب ثقافية
- ثقافية شنو وخرابيط شنو؟ عوفها .. إذا موجودة هنا عود اشتريها
يصادر الكتب ويضع إشارة الإكس
انتقل إلى حقيبة ذات لون وردي .. التمعت عيناه ..
- إلمن هاي الجنطة؟
- إلي
قالت شابة من الواضح أنها طالبة تدرس في واحدة من الجامعات العراقية
- شاكو بداخلها؟
- ملابس .. وكتب
- إيه؟ وشاكو بعد؟
- بس
- دي فظيها
ترددت الشابة ..
- بقلك فيها ملابس وكتب
- إي فظيها
احمر وجه الفتاة وتلفتت إلى وجوهنا: ما بقدر
ازدادت بهجته .. ازداد بريق عينيه ..
- هاه! لويش ما بتقدري؟
- بقلك فيها ملابس .. ملابسي ..
- اي وشنو يعني؟
ازداد احمرار وجه الفتاة .. وجالت بعينيها في أرجاء القاعة ..
أمسك العسكري بالحقيبة ودلق محتوياتها على الطاولة .. تنانير .. بلايز .. فساتين .. بنطلون جينز .. ملابس داخلية .. سوتيانات .. كان العسكري في غاية الانتشاء، وهو يلمس ملابسها الداخلية، وكأنه يمارس الجنس فعلاً ..
- وهاي شنو؟
- زي ما انتا شايف .. شريط فيديو
- شريط مال شنو؟
- عرس أختي
- ممنوع
- بقلك شريط عرس أختي
- قواويد .. تدخلون أشرطة سكس وتقولون عرس أختي
حاولت أن أتدخل .. نظر إلي العسكري من فوق إلى تحت ومن تحت إلى فوق .. وقال:
- ونتا شاكو؟
ثم نادى على عسكري آخر .. جاء مهرولاً: نعم سيدي!
- خذ هذا المحترم داخل .. أريد تفتيش كلش دقيق
- حاظر سيدي!